وروي عن عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : لمّا نزلت (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران : ٩٧] ، قال سراقة بن مالك : ـ ويروى عكاشة بن محصن ـ يا رسول الله أفي كلّ عام؟ فأعرض عنه ، فعاد مرّتين أو ثلاثا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ما يؤمنك أن أقول : نعم ، والله لو قلت : نعم لوجبت ، ولو وجبت ما استطعتم ، فاتركوني ما تركتكم ، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (١) فأنزل الله هذه الآية.
فإنّ من سأل عن الحجّ لم يأمن أن يؤمر به في كلّ عام فيسوؤه (٢) ، ومن سأل عن نسبه لم يأمن أن يلحقه بغيره ، فيفتضح.
وقال مجاهد : نزلت حين سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن البحيرة ، والسّائبة ، والوصيلة ، والحام ، ألا تراه ذكرها بعد ذلك (٣).
وكان عبيد الله بن عمير (٤) يقول : إنّ الله إن أحلّ أحلّوا ، وإن حرّم اجتنبوا (٥) ، ولو ترك بين ذلك أشياء لم يحلّلها ولم يحرّمها ، فذلك عفو من الله ، ثمّ يتلو هذه الآية.
وقال أبو ثعلبة الخشني (٦) : إنّ الله تعالى بيّن في الآية الأولى فرض فرائض فلا تضيّعوها ، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها ، وحدّ حدودا فلا تعتدوها ، وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها ، ثم إنّ تلك الأشياء التي سألوا عنها ظهر لهم ما يسوؤهم.
وقال ـ عليه الصّلاة والسلام ـ : إن من أعظم المسلمين في المسلمين جرما ، من سأل عن شيء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته (٧).
وقوله : (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) معناه : إن صبرتم حتّى [ينزل](٨) القرآن بحكم من فرض أو نهي ، وليس في ظاهره شرح ما بكم فيه حاجة ، ومسّت حاجتكم إليه ، فإذا سألتم عنها حينئذ تبد لكم (عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ).
واعلم أنّ السّؤال على قسمين :
أحدهما : السّؤال عن شيء لم يجر ذكره في الكتاب والسّنّة بوجه من الوجوه ، فهذا السّؤال منهيّ عنه لهذه الآية.
__________________
(١) تقدم.
(٢) في أ : فيسره.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٨٥) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٩٣) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه من طريق خصيف عن مجاهد عن ابن عباس.
(٤) ينظر الفخر الرازي ١٢ / ٨٨.
(٥) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٢ / ٨٨).
(٦) ينظر : المصدر السابق.
(٧) أخرجه مسلم كتاب الفضائل (١٣٢) وأبو داود (٤٦١٠) والطحاوي في «مشكل الآثار» (٢ / ٢١٢).
(٨) سقط في أ.