قوله : (لا يَضُرُّكُمْ) قرأ الجمهور بضمّ الراء مشددة ، وقرأ الحسن البصريّ (١) : «لا يضركم» بضم الضاد وسكون الراء ، وقرأ (٢) إبراهيم النّخعيّ : «لا يضركم» بكسر الضاد وسكون الراء ، وقرأ أبو حيوة (٣) : «لا يضرركم» بسكون الضاد وضم الراء الأولى والثانية.
فأمّا قراءة الجمهور : فتحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون الفعل فيها مجزوما على جواب الأمر في «عليكم» ، وإنما ضمّت الراء إتباعا لضمّة الضّاد ، وضمة الضاد هي حركة الراء الأولى ، نقلت للضّاد [لأجل] إدغامها في الراء بعدها ، والأصل : «لا يضرركم» ، ويجوز أن يكون الجزم لا على وجه الجواب للأمر ، بل على وجه أنه نهي مستأنف ، والعمل فيه ما تقدّم ؛ وينصر جواز الجزم هنا على المعنيين المذكورين من الجواب والنهي : قراءة الحسن والنخعيّ ؛ فإنهما نصّ في الجزم ، ولكنهما محتملتان للجزم على الجواب أو النهي.
والوجه الثاني : أن يكون الفعل مرفوعا ، وليس جوابا ولا نهيا ، بل هو مستأنف سيق للإخبار بذلك ، وينصره قراءة أبي حيوة المتقدّمة.
وأمّا قراءة الحسن : فمن «ضاره يضوره» كصانه يصونه ، وأما قراءة النخعيّ فمن «ضاره يضيره» كباعه يبيعه ، والجزم فيهما على ما تقدّم في قراءة العامة من الوجهين ، وحكى أبو البقاء (٤) : «لا يضرّكم» بفتح الراء ، ووجهها على الجزم ، وأن الفتح للتخفيف ، وهو واضح ، والجزم على ما تقدّم أيضا من الوجهين ، وهذه كلّها لغات قد تقدّم التنبيه عليها في آل عمران [الآية ١٤٤].
و (مَنْ ضَلَّ) فاعل ، و «إذا» ظرف محض ناصبه «يضرّكم» ، أي : لا يضرّكم الذي ضلّ وقت اهتدائكم ، ويجوز أن تكون شرطية ، وجوابها محذوف ؛ لدلالة الكلام عليه ، وقال أبو البقاء (٥) : «ويبعد أن تكون ظرفا ل «ضلّ» ؛ لأنّ المعنى لا يصحّ معه» ، قال شهاب الدين (٦) : لأنه يصير المعنى على نفي الضرر الحاصل ممّن يضلّ وقت اهتدائهم ، فقد يتوهّم أنه لا ينتفي عنهم ضرر من ضلّ في غير وقت اهتدائهم ، ولكنّ هذا لا ينفي صحّة المعنى بالكلية كما ذكره.
فصل في سبب نزول الآية
في سبب نزول الآية وجوه :
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٥٠ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٢ ، والدر المصون ٢ / ٦٢٤.
(٢) ينظر : القراءة السابقة.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٢ ، والدر المصون ٢ / ٦٢٤.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٨.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٩.
(٦) ينظر : الدر المصون ٢ / ٦٢٤.