إِلَّا نَفْسَكَ) [النساء : ٨٤] ، وذلك لم يدلّ على سقوط الأمر بالمعروف عن الرّسول ، فكذا هاهنا.
ثم قال تعالى : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) ، أي : الضّال والمهتدي (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي : يجازيكم بأعمالكم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(١٠٨)
لمّا أمر الله تعالى بحفظ النّفس في قوله (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ، أمر بحفظ المال في هذه الآية.
قال القرطبي (١) : ورد لفظ الشّهادة في القرآن على أنواع مختلفة :
الأول : بمعنى الحضور ، قال تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة : ١٨٥].
الثاني : بمعنى قضى ، أي : أعلم قال تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران : ١٨].
قال أبو عبيدة : الثالث : بمعنى أقرّ ، قال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) [النساء : ١٦٦].
الرابع : شهد بمعنى حكم ، قال تعالى : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) [يوسف : ٢٦].
الخامس : شهد بمعنى حلف (٢) ، قال تعالى (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ) [النور : ٦] أي : أن يشهد أربع شهادات بالله.
السادس : شهد بمعنى وصّى ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) ، وقيل معناها هنا (٣) الحضور للوصيّة ، يقال : «شهدت وصيّة فلان» أي : حضرت ، وذهب الطّبري إلى أنّ الشّهادة بمعنى اليمين ، فيكون المعنى : يمين ما بينكم أن يحلف اثنان ، ويدلّ على ذلك ، أنّه يعلم لله حكم يجب فيه على الشّاهد يمين ، وهذا
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٢٢٤.
(٢) في أ : جلد.
(٣) في أ : حب.