«حبس» ؛ لأنه يمنعه ، ويقال : «حبّست» بالتشديد أيضا بمعنى وقفت وسبلت ؛ وقد يكون التشديد للتكثير في الفعل ؛ نحو : «حبّست الرّجال» ، والألف واللام في «الصّلاة» فيها قولان :
أحدهما : أنها للجنس ، أي : بعد أيّ صلاة كانت.
والثاني ـ وهو الظاهر ـ أنها للعهد كما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ.
فصل
معنى الآية : أنّ الإنسان إذا حضره الموت ، أن يشهد اثنين ذوي عدل أي : أمانة وعقل.
ومعنى قوله : «منكم» أي : أهل دينكم يا معشر المؤمنين ، (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) ، من غير دينكم قول أكثر المفسّرين (١) ، قاله ابن عبّاس ، وأبو موسى الأشعري ، وهو قول سعيد بن المسيّب ، وإبراهيم النّخعي ، وسعيد بن جبير [وشريح](٢) ، ومجاهد ، وعبيدة ، ثمّ اختلف هؤلاء في حكم الآية.
فقال النّخعي ، وجماعة : هي منسوخة (٣) ، وكانت شهادة أهل الذمّة مقبولة في الابتداء ، ثمّ نسخت ، وذهب قوم إلى أنّها ثابتة ، وقالوا : إذا لم يجد مسلمين يشهد كافرين قال شريح (٤) : من كان بأرض غربة ، ولم يجد مسلما يشهد على وصيّته ، فأشهد كافرين على أيّ دين كانا من أهل الكتاب ، أو عبدة الأوثان ، فشهادتهم جائزة ، ولا تجوز شهادة كافر على مسلم إلّا على وصيّة في سفر (٥).
وعن الشّعبيّ : أنّ رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا ، ولم يجد مسلما يشهده على وصيّته ، فأشهد رجلين من أهل الكتاب ، فقدما الكوفة بتركته وأتيا أبا موسى الأشعري.
فقال الأشعريّ : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأحلفهما بالله ما خانا ولا كذبا ، ولا بدّلا ، ولا غيّرا ، وأنّها لوصيّة الرّجل وتركته ، وأمضى شهادتهما (٦) وقال آخرون : قوله : (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) أي : من حيّ الموصي ، (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) ، أي : من غير حيّكم وعشيرتكم ، وهو قول الحسن والزّهري وعكرمة
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٧٣ ، والفخر الرازي ١٢ / ٩٦.
(٢) سقط في أ.
(٣) أخرجه الطبري (٥ / ١٢٤) عن ابن عباس.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٧٤.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٠٥) عن إبراهيم النخعي.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٠٦) عن الشعبي.