المال ، أو الإثم ؛ حسبما تقدّم ، وأمّا «الأوّلين» فجمع «أوّل» المقابل ل «آخر» ، وفيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه مجرور صفة ل «الّذين».
الثاني : أنه بدل منه ، وهو قليل ؛ لكونه مشتقّا.
الثالث : أنه بدل من الضمير في «عليهم» ، وحسّنه هنا ، وإن كان مشتقّا عدم صلاحية ما قبله للوصف ، نقل هذين الوجهين الأخيرين مكيّ (١).
الرابع : أنه منصوب على المدح ، ذكره الزمخشريّ (٢) ، قال : «ومعنى الأوّليّة التقدّم على الأجانب في الشّهادة ؛ لكونهم أحقّ بها» ، وإنما فسّر الأوّليّة بالتقدّم على الأجانب ؛ جريا على ما مرّ في تفسيره : أو آخران من غيركم أنّهما من الأجانب لا من الكفّار.
وقال الواحديّ : «وتقديره من الأوّلين الّذين استحقّ عليهم الإيصاء أو الإثم ، وإنما قيل لهم «الأوّلين» من حيث كانوا أوّلين في الذّكر ؛ ألا ترى أنه قد تقدّم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) وكذلك (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ذكرا في اللفظ قبل قوله : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) ، وكان ابن عباس يختار هذه القراءة ، ويقول : «أرايت إن كان الأوليان صغيرين ، كيف يقومان مقامهما»؟ أراد : أنهما إذا كانا صغيرين لم يقوما في اليمين مقام الحانثين ، ونحا ابن عطية (٣) هذا المنحى قال : «معناه : من القوم الذين استحقّ عليهم أمرهم ، أي : غلبوا عليه ، ثم وصفهم بأنهم أوّلون ، أي : في الذكر في هذه الآية».
وأمّا قراءة الحسن فالأوّلان مرفوعان ب «استحقّ» فإنه يقرؤه مبنيّا للفاعل ، قال الزمخشريّ (٤) : «ويحتجّ به من يرى ردّ اليمين على المدّعي» ، ولم يبيّن من هما الأوّلان ، والمراد بهما الاثنان المتقدّمان في الذكر ؛ وهذه القراءة حفص ، فيقدّر فيها ما ذكر ، ثم مما يليق من تقدير المفعول.
وأما قراءة ابن سيرين ، فانتصابها على المدح ، ولا يجوز فيها الجرّ ؛ لأنه : إمّا على البدل ، وإمّا على الوصف بجمع ، والأوليين في قراءته مثنّى ، فتعذر فيها ذلك ، وأمّا قراءة «الأولين» كالأعلين ، فحكاها أبو البقاء قراءة شاذّة لم يعزها ، قال (٥) : «ويقرأ «الأولين» جمع الأولى ، وإعرابه كإعراب الأوّلين» يعني في قراءة حمزة ، وقد تقدّم أن فيها أربعة أوجه ، وهي جارية هنا.
قوله : «فيقسمان» نسق على «يقومان» والسببيّة فيها ظاهرة ، و «لشهادتنا أحقّ» : هذه الجملة جواب القسم في قوله : «فيقسمان».
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٢٥٢.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٦٨٩.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٥٥.
(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٦٨٩.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٠.