فصل في معنى الآية
ومعنى الآية : فإن حصل العثور ، والوقوف على أنّهما أتيا بخيانة ، استحقّا الإثم بسبب اليمين الكاذبة ، أو خيانة في المال ، قام في اليمين مقامهما رجلان من قرابة الميت ، فيحلفان بالله لقد ظهرنا على خبر الذّميّين ، وكذبهما وتبديلهما ، وما اعتدينا في ذلك وما كذبنا ، وهو المراد بقوله : «فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم» ، والمراد به موالي الميّت ، قال ابن الخطيب (١) : وقد أكثر النّاس في أنّه لم وصف موالي الميّت بهذا الوصف؟ والأصحّ عندي فيه وجه : وهو أنّهم إنّما وصفوا بذلك ؛ لأنّه لمّا أخذ منهم مالهم ، فقد استحقّ عليهم مالهم ، فإن أخذ مال غيره ، فقد حاول أن يكون تعلّقه بذلك المال مستعليا على تعلّق مالكه به ، فصحّ أن يوصف المالك (٢) بأنّه قد استحقّ عليه ذلك المال ، وإنما وصفهما بأنّهما أوليان لوجهين :
الأول : معنى الأوليان : الأقربان إلى الميّت.
الثاني : يجوز أن يكون المعنى الأوليان باليمين ؛ لأن الوصيّين قد ادّعيا أنّ الميّت قد باع الإناء الفضّة ، فانتقلت اليمين إلى موالي الميّت ؛ لأنّ الوصيّين قد ادّعيا أنّ مورثهما باع الإناء ، وهما أنكرا ذلك ، فكان اليمين حقّا لهما ؛ لأنّ الوصيّ إن أخذ شيئا من مال الميّت ، وقال : إنه أوصى لي به حلف للوارث إذا أنكر ذلك ، وكذا لو ادّعى رجل سلعة في يد رجل فاعترف ، ثمّ ادّعى أنّه اشتراها من المدّعي ، حلف المدّعي أنّه لم يبعها منه ، وهذا كما لو أنّ إنسانا أقرّ لآخر بدين ، ثم ادّعى أنه قضاه ، حكم بردّ اليمين إلى الذي ادّعى الدّين أوّلا ؛ لأنّه صار مدّعى عليه أنه قد استوفاه.
فصل
اختلفوا في كيفيّة ظهور الإناء ، فروى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس : أنه وجد بمكّة ، فقالوا : إنّا اشتريناه من تميم وعديّ ، وقيل : لما طالت المدّة أظهروه ، فبلغ ذلك بني سهم فطلبوهما ، فقالا : إنّا كنا قد اشتريناه منه ، فقالوا : ألم نقل لكم هل باع صاحبنا شيئا من متاعه ، فقلتمأ : لا ، قالا : لم يكن عندنا بيّنة ، فكرهنا أن نقرّ لكم به ، فكتمنا لذلك ، فرفعوهما إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما)(٣) الآية ، فقام عمرو بن العاص ، والمطّلب بن أبي وداعة السّهميّان ، فحلفا بالله بعد العصر ، فرفع رسول الله صلىاللهعليهوسلم الإناء لهما ، وإلى أولياء الميّت ، فكان تميم الداري يقول بعد ما أسلم: صدق الله ورسوله أنا أخذت فأنا أتوب إلى الله تعالى.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٩٩.
(٢) في أ : المال.
(٣) تقدم.