قوله تعالى : (قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ)(١١٣)
أي : أكل تبرّك ، لا أكل حاجة ، وقال الماوردي (١) : لأنّهم لما احتاجوا لم ينهوا عن السّؤال ، وقيل : أرادوا الأكل للحاجة.
وقوله : (وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) أي : إنّا وإن علمنا قدرة الله تعالى بالدّليل ، ولكنّا إن شاهدنا نزول هذه المائدة ازداد اليقين ، وقويت الطّمأنينة.
وقيل : المعنى إنّا وإن علمنا صدقك بسائر المعجزات ، ولكن إذا شاهدنا هذه المعجزة ازداد اليقين والعرفان ، وهذا معنى قوله : (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) : أنّك رسول الله.
قيل : إنّ عيسى ابن مريم أمرهم أن يصوموا ثلاثين يوما ، فإذا أفطروا لا يسألون الله شيئا إلّا أعطاهم ، ففعلوا وسألوه المائدة ، وقالوا : (نَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) في قولك : «إنّا إذا صمنا ثلاثين يوما لا نسأل الله شيئا إلّا أعطانا».
وقيل : إنّ جميع المعجزات التي أوردتها كانت معجزات أرضيّة ، وهذه سماويّة ، وهي أعجب وأعظم ، (وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) نشهد عليها عند الذين لم يحضروها من بني إسرائيل ، ويكونوا شاهدين لله تعالى بكمال القدرة.
وقرأ الجمهور : «ونعلم» : و «نكون» بنون المتكلم مبنيّا للفاعل ، وقرأ (٢) ابن جبير ـ رضي الله عنه ـ فيما نقله عنه ابن عطيّة ـ «وتعلم» بضم التاء على أنه مبنيّ للمفعول ، والضمير عائد على القلوب ، أي : وتعلم قلوبنا ، ونقل عنه «ونعلم» بالنون مبنيّا للمفعول ، وقرىء (٣) : «ويعلم» بالياء مبنيّا للمفعول ، والقائم مقام الفاعل : (أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) أي : ويعلم صدقك لنا ، ولا يجوز أن يكون الفعل في هذه القراءة مسندا لضمير القلوب ؛ لأنه جار مجرى المؤنّث المجازيّ ، ولا يجوز تذكير فعل ضميره ، وقرأ الأعمش : [«وتعلم»] بتاء والفعل مبنيّ للفاعل ، وهو ضمير القلوب ، ولا يجوز أن تكون التاء للخطاب ؛ لفساد المعنى ، وروي (٤) : «وتعلم» بكسر حرف المضارعة ، والمعنى على ما تقدّم ، وقرىء (٥) : «وتكون» بالتاء والضمير للقلوب.
و «أن» في (أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) مخفّفة ، واسمها محذوف ، و «قد» فاصلة ؛ لأنّ الجملة الواقعة خبرا لها فعلية متصرّفة غير دعاء ، وقد عرف ذلك مما تقدّم في قوله : (أَلَّا تَكُونَ
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٢٣٦.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٦٠ ، والبحر المحيط ٤ / ٥٩ ، والدر المصون ٢ / ٦٥٣.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٥٩ ، والدر المصون ٢ / ٦٥٣.
(٤) قرأ بها الأعمش كما في مختصر ابن خالويه ٣٦ ، وينظر : التخريجات النحوية ٢٦٨ ، والدر المصون ٢ / ٦٥٣.
(٥) قرأ بها سنان وعيسى كما في البحر المحيط ٤ / ٥٩ ، وينظر : الدر المصون ٢ / ٦٥٣.