فِتْنَةٌ) [المائدة : ٧١] ، و «أن» وما بعدها سادّة مسدّ المفعولين ، أو مسدّ الأول فقط ، والثاني محذوف ، و «عليها» متعلّق بمحذوف يدلّ عليه «الشّاهدين» ، ولا يتعلّق بما بعده ؛ لأن «أل» لا يعمل ما بعدها فيما قبلها عند الجمهور ، ومن يجيز ذلك يقول : «هو متعلّق بالشاهدين ، قدّم للفواصل». وأجاز الزمخشريّ أن تكون «عليها» حالا ؛ فإنه قال : «أو نكون من الشاهدين لله بالواحدانيّة ، ولك بالنبوّة عاكفين عليها ، على أن «عليها» في موضع الحال» فقوله «عاكفين» تفسير معنى ؛ لأنه لا يضمر في هذه الأماكن إلا الأكوان المطلقة. وقرأ اليمانيّ (١) : «وإنّه» ب «إنّ» المشدّدة ، والضمير : إما للعيد ، وإما للإنزال.
وبهذا لا يردّ عليه ما قاله أبو حيان ـ رحمهالله تعالى ـ فإنه غاب عليه ذلك ، وجعله متناقضا ؛ من حيث إنه لمّا علّقه ب «عاكفين» كان غير حال ؛ لأنه إذا كان حالا ، تعلّق بكون مطلق ، ولا أدري ما معنى التناقض.
قوله تعالى : (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(١١٤)
«اللهمّ ربّنا» تقدّم الكلام عليه ، قوله : «ربّنا» نداء ثاني.
قوله تعالى : (تَكُونُ لَنا عِيداً) : [في «تكون» ضمير يعود على «مائدة» هو اسمها ، وفي الخبر احتمالان :
أظهرهما : أنه عيد] ، و «لنا» فيه وجهان :
أحدهما : أنه حال من «عيدا» ؛ لأنها صفة له في الأصل.
والثاني : أنها حال من ضمير «تكون» عند من يجوّز إعمالها في الحال.
والوجه الثاني : أنّ «لنا» هو الخبر ، و «عيدا» حال : إمّا من ضمير «تكون» عند من يرى ذلك ، وإمّا من الضمير في «لنا» ، لأنه وقع خبرا فتحمّل ضميرا ، والجملة في محلّ نصب صفة لمائدة.
وقرأ عبد الله : «تكن» بالجزم على جواب الأمر في قوله : «أنزل» ، قال الزمخشري ـ رحمهالله ـ : «وهما نظير «يرثني [ويرث»] يريد قوله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي) [مريم : ٥ ، ٦] بالرفع صفة ، وبالجزم جوابا ، ولكن القراءتان هناك متواترتان ، والجزم هنا في الشاذ.
والعيد هنا مشتقّ من العود ؛ لأنه يعود كلّ سنة ، قاله ثعلب عن ابن الأعرابيّ ، وقال ابن الأنباريّ : «النحويّون يقولون : يوم العيد ؛ لأنّه يعود بالفرح والسّرور فهو يوم سرور الخلق كلهم ، ألا ترى أنّ المسجونين في ذلك اليوم لا يطالبون ولا يعاقبون ، ولا يصاد
__________________
(١) ينظر : الشواذ ٤٢.