[وإعدامكم](١) بالكلّيّة ، وعلى أن يوجد قوما آخرين ، يشتغلون بعبادته وتعظيمه ، وكان الله على ذلك قديرا.
قوله : «بآخرين» : آخرين صفة لموصوف محذوف من جنس ما تقدّمه تقديره : بناس آخرين يعبدون الله ، ويجوز أن يكون المحذوف من غير جنس ما تقدّمه.
قال ابن عطية (٢) : «يحتمل أن يكون وعيدا لجميع بني آدم ، ويكون الآخرون من غير نوعهم ، كما روي : أنه كان ملائكة في الأرض يعبدون الله».
وقال الزّمخشري (٣) : «أو خلقا آخرين غير الإنس» وكذلك قال غيرهما.
وردّ أبو حيان (٤) هذا الوجه : بأنّ مدلول آخر ، وأخرى ، وتثنيتهما ، وجمعهما ، نحو مدلول «غير» إلا أنه خاصّ بجنس ما تقدّمه. فإذا قلت : «اشتريت فرسا وآخر ، أو : ثوبا وآخر ، أو : جارية وأخرى ، أو : جاريتين وأخريين ، أو جواري وأخر» لم يكن ذلك كلّه إلا من جنس ما تقدم ، حتى لو عنيت «وحمارا آخر» في الأمثلة السابقة لم يجز ، وهذا بخلاف «غير» فإنّها تكون من جنس ما تقدّم ومن غيره ، تقول «اشتريت ثوبا وغيره» لو عنيت : «وفرسا غيره» جاز.
قال : «وقلّ من يعرف هذا الفرق». وهذا الفرق الذي ذكره وردّ به على هؤلاء الأكابر غير موافق عليه ، لم يستند فيه إلى نقل ، ولكن قد يردّ عليهم ذلك من طريق أخرى ، وهو أنّ «آخرين» صفة لموصوف محذوف ، والصّفة لا تقوم مقام موصوفها ، إلا إذا كانت خاصّة بالموصوف ، نحو : «مررت بكاتب» ، أو يدلّ عليه دليل ، وهنا ليست بخاصّة ، فلا بد وأن تكون من جنس الأوّل ؛ لتحصل بذلك الدّلالة على الموصوف المحذوف.
وقال القرطبي (٥) : وهذا كقوله في آية أخرى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) [محمد : ٣٨] وفي الآية تخويف ، وتنبيه لمن كان له ولاية وإمارة ، أو رياسة فلا يعدل في رعيته ، أو كان عالما فلا يعمل بعلمه ، ولا ينصح النّاس ، (وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً) ، والقدرة : صفة أزليّة لا تتناهى مقدوراته ، كما لا تتناهى معلوماته ، والماضي والمستقبل في صفاته بمعنى واحد ، وإنما خصّ الماضي بالذكر ؛ لئلا يتوهّم أنّه يحدث في صفاته وذاته ، والقدرة : هي التي يكون بها الفعل ، ولا يجوز وجود العجز معها.
قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً)(١٣٤)
يجوز في «من» وجهان :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٢٢.
(٣) ينظر : الكشاف ١ / ٥٧٤.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٨٣.
(٥) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٦٣.