البحث
البحث في اللّباب في علوم الكتاب
شاء ، وإنما يريد بذلك أنه متعلق بهما من جهة المعنى.
فصل
قوله : (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) قيل : فيه تقديم وتأخير تقديره : وإن تغفر لهم فإنّهم عبادك ، وإن تعذّبهم ، فإنّك أنت العزيز في الملك ، الحكيم في القضاء ، لا ينقص من عزّك شيء ، ولا يخرج عن حكمك ، ويدخل في حكمه ، وسعت رحمته مغفرة الكفّار ، ولكنّه أخبر أنّه لا يغفر لهم ، وهو لا يخلف خبره.
روى عمرو بن العاص : أنّ النبيّ ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ تلا قوله تبارك وتعالى : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) [إبراهيم : ٣٦] الآية ، وقول عيسى ـ عليهالسلام : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، فرفع يديه وقال : «اللهمّ أمّتي ، اللهمّ أمّتي» فقال الله ـ عزوجل ـ : يا جبريل اذهب إلى محمّد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وربّك أعلم ، فسله ما يبكيه ، فأتاه جبريل فسأله ، فأخبره رسول الله ، فقال الله : يا جبريل اذهب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره وقل له إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوءك.
قوله تعالى : (قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٢٠)
قرأ الجمهور «يوم» بالرفع تنوين ، ونافع (١) بالنصب من غير تنوين واختاره أبو عبيدة ونقل الزمخشري (٢) عن الأعمش «يوما» بنصبه منونا ، وابن عطية (٣) عن الحسن بن عياش الشامي : «يوم» برفعه منونا ، فهذه أربع قراءات. فأما قراءة الجمهور فواضحة على المبتدأ والخبر ، والجملة في محل نصب بالقول. وأمّا قراءة نافع ففيها أوجه ، أحدها : أنّ «هذا» مبتدأ ، و «يوم» خبره كالقراءة الأولى ، وإنما بني الظرف لإضافته إلى الجملة الفعلية وإن كانت معربة ، وهذا مذهب الكوفيين ، واستدلّوا عليه بهذه القراءة ، وأمّا البصريون فلا يجيزون البناء إلا إذا صدّرت الجملة المضاف إليها بفعل ماض ، وعليه قول النابغة : [الطويل]
٢١٠١ ـ على حين عاتبت المشيب على الصّبا |
|
فقلت : ألمّا أصح والشّيب وازع (٤) |
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٥٠ ، والحجة ٣ / ٢٨٢ ، وحجة القراءات ٢٤٢ ، والعنوان ٨٨ ، وإعراب القراءات ١ / ١٥١ ، وشرح شعلة ٣٥٧ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٣٩ ، وإتحاف ١ / ٥٤٧.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٦٩٧.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٦٤.
(٤) تقدم.