وخرّجوا هذه القراءة على أن «يوم» منصوب على الظرف ، وهو متعلق في الحقيقة بخبر المبتدأ أي : هذا واقع أو يقع في يوم ينفع ، فيستوي هذا مع تخريج القراءة الأولى والثانية أيضا في المعنى. ومنهم من خرّجه على أنّ «هذا» منصوب ب «قال» ، وأشير به إلى المصدر فنصبه على المصدر ، وقيل : بل أشير به إلى الخبر والقصص المتقدمة فيجري في نصبه خلاف : هل هو منصوب نصب المفعول به أو نصب المصادر؟ لأنه متى وقع بعد القول ما يفهم كلاما نحو : «قلت شعرا وخطبة» جرى فيه هذا الخلاف ، وعلى كلّ تقدير ف «يوم» منصوب على الظرف ب «قال» أي : قال الله هذا القول أو هذه الأخبار في وقت نفع الصادقين ، و «ينفع» في محلّ خفض بالإضافة ، وقد تقدّم ما يجوز إضافته إلى الجمل وأنه أحد ثلاثة أشياء. وأمّا قراءة التنوين فرفعه على الخبرية كقراءة الجماعة ، ونصبه على الظرف كقراءة نافع ، إلا أنّ الجملة بعده في القراءتين في محل الوصف لما قبلها ، والعائد محذوف ، وهي نظيرة قوله تعالى : (يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨] ، فيكون محلّ هذه الجملة إما رفعا أو نصبا.
قوله : «صدقهم» مرفوع بالفاعلية ، وهذه قراءة العامة ، وقرىء (١) شاذا بنصبه وفيه أربعة أوجه ، أحدها : أنه منصوب على المفعول من أجله أي : ينفعهم لأجل صدقهم ، ذكر ذلك أبو البقاء (٢) ، وتبعه أبو حيان وهذا لا يجوز لأنه فات شرط من شروط النصب ، وهو اتحاد الفاعل ، فإنّ فاعل النفع غير فاعل الصدق ، وليس لقائل أن يقول : «ينصب بالصادقين فكأنه قيل : الذين يصدقون لأجل صدقهم فيلزم اتحاد الفاعل» لأنه يؤدي إلى أنّ الشيء علة لنفسه ، وللقول فيه مجال. الثاني : على إسقاط حرف الجر أي : بصدقهم ، وهذا فيه ما عرف من أن حذف الحرف لا يطّرد. الثالث : أنه منصوب على المفعول به ، والناصب له اسم الفاعل في «الصادقين» أي : الذين صدقوا صدقهم ، مبالغة نحو : «صدقت القتال» كأنك وعدت القتال فلم تكذبه ، وقد يقوّي هذا نصبه على المفعول له ، والعامل فيه اسم الفاعل قبله. الرابع : أنه مصدر مؤكد كأنه قيل : الذين يصدقون الصدق كما تقول : «صدق الصدق» ، وعلى هذه الأوجه كلّها ففاعل «ينفع» ضمير يعود على الله تعالى.
فصل في معنى الآية
أجمعوا على أنّ المراد بهذا اليوم هو يوم القيامة ، والمعنى : أنّ صدقهم في الدّنيا ينفعهم في الآخرة ؛ لأنّ صدق الكفّار في القيامة لا ينفعهم ، ألا ترى أنّ إبليس قال : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) [إبراهيم : ٢٢] ، فلم ينفعه هذا الصّدق ، وهذا الكلام تصديق من الله تعالى لعيسى في قوله : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ).
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٦٩ ، الدر المصون ٢ / ٦٦٠.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٤.