على جنسي الغني والفقير المدلول عليهما بالمذكورين ، تقديره : وإن يكن المشهود عليه غنيّا أو فقيرا ، فليشهد عليه ، فالله أولى بجنسي الغنيّ والفقير ؛ ويدلّ على هذا قراءة أبيّ (١) : «فالله أولى بهم» أي : بالأغنياء والفقراء مراعاة للجنس على ما قرّرته لك ، ويكون قوله : (فَاللهُ أَوْلى بِهِما) ليس جوابا للشرط ، بل جوابه محذوف كما قد عرفته ، وهذا دالّ عليه.
الثاني : أنّ «أو» بمعنى : الواو ؛ ويعزى هذا للأخفش (٢) ، وكنت قدّمت أوّل البقرة : أنه قول الكوفيين ، وأنه ضعيف.
الثالث : أن «أو» : للتّفصيل أي : لتفصيل ما أبهم ، وقد أوضح ذلك أبو البقاء (٣) ، فقال : «وذلك أنّ كلّ واحد من المشهود عليه والمشهود له ، قد يكون غنيّا ، وقد يكون فقيرا ، وقد يكونان غنيّين ، وقد يكونان فقيرين ، وقد يكون أحدهما غنيّا والآخر فقيرا ؛ فلما كانت الأقسام عند التّفصيل على ذلك ، أتي ب «أو» ، لتدلّ على التّفصيل ؛ فعلى هذا يكون الضّمير في «بهما» عائدا على المشهود له والمشهود عليه ، على أيّ وصف كانا عليه» انتهى ؛ إلّا أنّ قوله : «وقد يكون أحدهما غنيّا والآخر فقيرا» مكرّر ؛ لأنه يغني عنه قوله : «وذلك أن كل واحد» إلى آخره.
الرابع : أنّ الضّمير يعود على الخصمين ، تقديره : إن يكن الخصمان غنيّا أو فقيرا ، فالله أولى بذينك الخصمين.
الخامس : أن الضّمير يعود على الغني والفقير المدلول عليهما بلفظ الغنّي والفقير ، والتقدير: فالله أولى بغنى الغني وفقر الفقير ، وقد أساء ابن عصفور العبارة هنا بما يوقف عليه في كلامه ، وعلى أربعة الأوجه الأخيرة يكون جواب الشّرط ملفوظا به ، وهو قوله : (فَاللهُ أَوْلى بِهِما) بخلاف الأوّل ؛ فإنه محذوف.
وقرأ عبد الله بن مسعود (٤) : «إن يكن غنيّ أو فقير» برفعهما ، والظّاهر أنّ «كان» في قراءته تامة ، أي : وإن وجد غنيّ أو فقير ، نحو : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) [البقرة : ٢٨٠].
قوله : (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى) أي : اتركوا متابعة الهوى ؛ حتى توصفوا بالعدل ؛ لأنّ العدل عبارة عن ترك متابعة الهوى ، ومن ترك أحد النّقيضين ، فقد حصل له الآخر.
قوله : (أَنْ تَعْدِلُوا) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مفعول من أجله على حذف مضاف ، تقديره : فلا تتّبعوا الهوى محبة أن
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٢٣ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٨٥ ، والدر المصون ٢ / ٤٤٠.
(٢) ينظر : معاني القرآن ١ / ٢٤٧.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٧.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٨٦ ، والدر المصون ٢ / ٤٤١.