رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (١٣٦)
في اتّصال هذه الآية بما قبلها وجهان :
أحدهما : أنّها متّصلة بقوله : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) لأن الإنسان لا يكون قائما بالقسط ، إلا إذا كان راسخا في الإيمان بالأشياء المذكورة في هذه الآية.
الثاني : أنه ـ تعالى ـ لمّا بين الأحكام الكثيرة في هذه السّورة ، ذكر عقيبها الأمر بالإيمان ، وفي هذا الأمر وجوه :
أحدها : قال الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس : نزلت هذه الآية في عبد الله ابن سلام ، وأسد وأسيد ابني كعب ، وثعلبة بن قيس ، وسلام ابن أخت عبد الله بن سلام ، وسلمة ابن أخيه ، ويامين بن يامين ، فهؤلاء مؤمنو أهل الكتاب أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا (٢) : إنّا نؤمن بك ، وبكتابك ، وبموسى ، [والتّوراة](٣) وبعزير ، ونكفر بما سواه من الكتب والرّسل ، فقال لهم النّبي صلىاللهعليهوسلم : «بل آمنوا بالله ، ورسوله محمّد ، والقرآن ، وبكل كتاب قبله» فقالوا : لا نفعل ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني : بمحمّد [والقرآن](٤) وبموسى والتّوراة ، (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) : محمد (وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) : من التّوراة ، والإنجيل ، والزّبور ، وسائر الكتب (٥) ؛ لأن المراد بالكتاب الجنس.
وقيل : الخطاب مع المنافقين ، والتّقدير : يأيّها الذين آمنوا باللّسان ، آمنوا بالقلب ، ويؤيده قوله ـ تعالى ـ : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) [المائدة : ٤١].
وقيل : خطاب مع الّذين آمنوا وجه النّهار ، وكفروا آخره ، والتقدير : يأيّها الّذين آمنوا وجه النّهار ، آمنوا آخره.
وقيل : الخطاب للمشركين ، تقديره : يأيّها الذين آمنوا باللّات والعزّى ، آمنوا.
وقيل : المعنى : يأيها الذين آمنوا ، دوموا على الإيمان ، واثبتوا عليه ، أي : يأيّها الذين آمنوا في الماضي والحاضر ، آمنوا في المستقبل ؛ كقوله : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمد : ١٩] مع أنه كان عالما بذلك.
وقيل : المراد ب (الَّذِينَ آمَنُوا) : جميع النّاس ، وذلك يوم أخذ عليهم الميثاق.
وقيل : يا أيّها الّذين آمنوا على سبيل التّقليد ، آمنوا على سبيل الاستدلال.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : قالوا.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في أ.
(٥) أخرجه الثعلبي في «تفسيره» من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس كما في «الدر المنثور» (٢ / ٤١٤).