قال قتادة : هم اليهود ؛ آمنوا بموسى ، ثم كفروا من بعد بعبادتهم العجل ، [ثم آمنوا بالتّوراة](١) ، ثم كفروا بعيسى ـ عليهالسلام ـ ، ثم ازدادوا كفرا بمحمّد صلىاللهعليهوسلم (٢).
وقيل : هو في جميع أهل الكتاب آمنوا بنبيّهم ، ثم كفروا به ، وآمنوا بالكتاب الذي نزّل عليه ، ثم كفروا به ، وكفرهم به : تركهم إيّاه ، أي : ثم ازدادوا كفرا بمحمّد صلىاللهعليهوسلم.
وقيل : هذا في قوم مرتدّين ، آمنوا ثم ارتدّوا ، ومثل هذا هل تقبل توبته؟ حكي عن عليّ : أنه لا تقبل توبته ، بل يقتل ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) وذلك لأن تكرار الكفر منهم بعد الإيمان مرات ، يدلّ على أنّه لا وقع للإيمان في قلوبهم ، إذ لو كان للإيمان وقع في قلوبهم ، لما تركوه بأدنى سبب ، ومن كان كذلك ، فالظّاهر أنّه لا يؤمن إيمانا صحيحا ، فهذا هو المراد بقوله : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) وليس المراد : أنه لو أتى بالإيمان الصّحيح ، لم يكن معتبرا ، بل المراد منه : الاستبعاد ، وأكثر أهل العلم على قبول توبته.
وقال مجاهد : (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) أي : ماتوا عليه ، (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) : ما أقاموا على ذلك ، (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) أي : طريقا إلى الحقّ.
وقيل : المراد طائفة من أهل الكتاب ، قصدوا تشكيك المسلمين ، فكانوا يظهرون الإيمان تارة والكفر تارة أخرى ، على ما أخبر الله ـ تعالى ـ عنهم قولهم : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا)(٣)(وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [آل عمران : ٧٢] وقوله : (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) أن بلغوا في ذلك إلى حدّ الاستهزاء ، والسّخرية بالإسلام.
فصل
دلّت الآية على أنّ الكفر يقبل الزّيادة والنّقصان ؛ فوجب أن يكون الإيمان كذلك ؛ لأنهما ضدّان متنافيان ؛ فإذا (٤) قبل أحدهما التّفاوت ، فكذلك الآخر.
فإن قيل : الحكم المذكور في هذه الآية : إمّا أن يكون مشروطا بما قبل التّوبة (٥) ، أو بما بعدها.
والأوّل : باطل ؛ لأن الكفر قبل التّوبة غير مغفور على الإطلاق ، وحينئذ تضيع الشّروط المذكورة.
والثاني : باطل ؛ لأن الكفر [يغفر](٦) بعد التّوبة ، ولو كان بعد ألف مرّة ، فعلى التّقديرين يلزم السّؤال.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣١٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤١٥) وزاد نسبته لعبد بن حميد.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : وإذا.
(٥) في ب : التوراة.
(٦) سقط في أ.