فقال : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) يعني : يتّخذون اليهود والنّصارى أولياء ، وأنصارا ، وبطانة من دون المؤمنين ، كان المنافقون يوادّونهم (١) ، ويقول بعضهم لبعض : إن أمر محمّد لا يتمّ.
قوله : «الّذين» يجوز فيه النّصب والرّفع ، فالنصب من وجهين :
أحدهما : كونه نعتا للمنافقين.
والثاني : أنه نصب بفعل مضمر ، أي أذمّ الّذين ، والرّفع على خبر مبتدأ محذوف ، أي : هم الّذين.
فصل
قال القرطبيّ (٢) : وفي الآية دليل على أنّ من عمل معصية من الموحّدين ، ليس بمنافق ؛ لأنّه لا يتولّى الكفّار ، وتضمنت المنع من موالاة الكفّار ، وأن يتّخذوا أعوانا على الأعمال المتعلّقة بالدّين ، وفي الصّحيح عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : أنّ رجلا من المشركين لحق بالنّبيّ صلىاللهعليهوسلم يقاتل معه ، فقال : ارجع ، فإنّنا لا نستعين بمشرك (٣).
قوله : (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) أي : المعونة ، والظّهور على محمّد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، وقيل : أيطلبون (٤) عندهم القوّة ، والغلبة ، والقدرة.
قال الواحدي (٥) : أصل العزّة في اللّغة : الشّدّة ، ومنه : قيل للأرض [الصّلبة](٦) الشّديدة : عزاز ويقال : قد استعزّ المرض على المريض : إذا اشتدّ مرضه وكاد أن يهلك وعزّ الهمّ إذا اشتدّ ، ومنه : [عزّ](٧) عليّ أن يكون كذا بمعنى : اشتدّ ، وعز الشّيء : إذا قلّ حتى لا يكاد يوجد ؛ لأنه اشتدّ مطلبه ، واعتز فلان بفلان : إذا اشتدّ ظهره به ، وشاة عزوز : إذا اشتدّ حلبها ، والعزّة : القوّة ، منقولة عن الشّدّة ؛ لتقارب معنيهما ، والعزيز : القوي المنيع بخلاف الذّليل ، فالمنافقون كانوا يطلبون العزّة والقوّة ، بسبب اتّصالهم باليهود ، فأبطل الله عليهم هذا الرّأي بقوله : (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً).
والثاني : قوله : (فَإِنَّ الْعِزَّةَ) لما في الكلام من معنى الشّرط ، إذ المعنى : إن تبتغوا من هؤلاء عزّة (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) و «جميعا» : حال من الضّمير المستكنّ في قوله : «لله» لوقوعه خبرا ، [والمعنى : أنّ العزّة ثبتت لله ـ تعالى ـ حالة كونها جميعا](٨).
فإن قيل : هذا كالمناقض لقوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون : ٨].
__________________
(١) في ب : يوالونهم.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٦٧.
(٣) تقدم.
(٤) في ب : أتطلبون.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٦٤.
(٦) سقط في أ.
(٧) سقط في ب.
(٨) سقط في أ.