فالجواب : أن القدرة الكاملة لله ، وكل من سواه ، فبإقداره صار قادرا ، وبإعزازه صار عزيزا ، فالعزّة الحاصلة للرسول وللمؤمنين لم تحصل إلا من الله ـ تعالى ـ ، فكان الأمر عند التّحقيق : أنّ العزّة لله جميعا.
قوله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً)(١٤٠)
قرأ الجماعة : «نزّل» مبنيا للمفعول ، وعاصم (١) ويعقوب قرآه «نزّل» مبنيا للفاعل ، وأبو حيوة وحميد (٢) : «نزل» مخففا مبنيا للفاعل ، والنخعي (٣) : «أنزل» بالهمزة مبنيا للمفعول.
والقائم مقام الفاعل في قراءة الجماعة والنّخعي ، هو «أن» وما في حيّزها ، أي : وقد نزّل عليكم المنع من مجالستهم عند سماعكم الكفر بالآيات ، والاستهزاء بها.
وأمّا في قراءة عاصم : ف «أن» مع ما بعدها في محلّ نصب مفعولا به ب «نزّل» ، والفاعل ضمير الله ـ تعالى ـ كما تقدّم.
وأما في قراءة أبي حيوة وحميد : فمحلّها رفع بالفاعليّة ل «نزل» مخففا ، فمحلّها : إمّا نصب على قراءة عاصم ، أو رفع على قراءة غيره ، ولكن الرّفع مختلف.
فصل
قال المفسّرون : المعنى : وقد نزّل عليكم يا معشر المؤمنين (٤) ، (أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ) يعني : القرآن (يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ) يعني : مع المستهزئين (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) ، وذلك أنّ المشركين كانوا يخوضون في مجالستهم في ذكر القرآن ، يستهزئون به ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) وهذه الآية نزلت في مكّة.
ثم إن أحبار اليهود بالمدينة ، كانوا يفعلون فعل المشركين ، وكان المنافقون يقعدون معهم ، ويوافقونهم على ذلك ، فقال ـ تعالى ـ مخاطبا لهم : «أنه (قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها) والمعنى : إذا سمعتم الكفر بآيات الله والاستهزاء بها ، لكنّه أوقع فعل السماع على الآية ، والمراد بها : سماع الاستهزاء.
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٣٩ ، والكشف ١ / ٤٠٠ والبحر المحيط ٣ / ٣٨٩ والدر المصون ٢ / ٤٤٣.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٢٥ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٨٩ ، والدر المصون ٢ / ٤٤٣.
(٣) ينظر : السابق.
(٤) في ب : المسلمين.