فالجواب : أنّ الله ـ تعالى ـ علم أنه](١) كان في طبع ذلك الرّجل الخيانة الكثيرة والإثم الكبير ، فذكر اللّفظ الدّالّ على المبالغة ؛ بسبب ما كان في طبعه من الميل إلى ذلك ، ويدلّ عليه : ما ذكر [أنّه](٢) بعد هذه الواقعة هرب إلى مكّة ، وارتدّ ونقب حائط إنسان ؛ لأجل السرقة ، فسقط الحائط عليه ومات ، ومن كانت خاتمته كذلك ، لم يشكّ في حاله ، وأيضا : فإنّه طلب من النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يرفع السّرقة عنه ، ويلحقها باليهوديّ ، وهذا (٣) يبطل رسالة الرّسول ، ومن حاول إبطال رسالة الرّسول وأراد كذبه ، فقد كفر ؛ فلهذا المعنى وصفه الله [ـ تعالى ـ](٤) بالمبالغة في الخيانة والإثم.
وقد قيل : إذا عثرت من رجل على سيّئة ، فاعلم أنّ لها أخوات.
وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ : أنّه أخذ يقطع يد سارق ، فجاءته أمّه تبكي وتقول هذه أوّل سرقة سرقها فاعف عنه ، فقال : كذبت إنّ الله لا يؤاخذ عبده في أوّل الأمر.
قوله تعالى : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)(١٠٨)
في : «يستخفون» : وجهان :
أظهرهما : أنها مستأنفة لمجرد الإخبار بأنهم يطلبون التستّر من الله ـ تعالى ـ بجهلهم.
والثاني : أنها في محلّ نصب صفة ل «من» في قوله : (لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً) وجمع الضّمير اعتبارا بمعناها إن جعلت «من» نكرة موصوفة ، أو في محلّ نصب على الحال من «من» إن جعلتها موصولة ، وجمع الضمير باعتبار معناها أيضا.
والاستخفاء (٥) الاستتار ، يقال : استخفيت من فلان ، أي : تواريت منه واستترت ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) [الرعد : ١٠] أي : مستتر ، ومعنى الآية : يستترون من النّاس ، ولا يستترون من الله.
قال ابن عبّاس (٦) : يستحيون من النّاس ، ولا يستحيون من الله. قال الواحدي (٧) : هذا معنى وليس بتفسير ؛ وذلك أنّ الاستحياء من النّاس هو نفس الاستخفاء ، فليس الأمر كذلك. قوله : (وَهُوَ مَعَهُمْ) جملة حالية إمّا من الله ـ تعالى ـ ، أو من المستخفين ، وقوله : «معهم» أي : بالعلم ، والقدرة ، والرؤية ، وكفى هذا زاجرا للإنسان ، و «إذ» منصوب [بالعامل ـ في](٨) الظّرف ـ الواقع خبرا ، وهو «معهم» ومعنى : يبيّتون :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : وهلا.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : والاختفاء.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٢٩.
(٧) ينظر : السابق.
(٨) سقط في ب.