وهذا ضعيف ؛ لنبوّ المعنى عنه ولزيادة الفاء في غير محلّها ؛ لأنّ هذا الموصول غير ظاهر الشّبه باسم الشرط.
فصل في معنى الآية
ومعنى (يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) : ينتظرون بكم الدّوائر ، يعنى : المنافقين ، ينتظرون ما يحدث من خير وشرّ ، (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ) أي : ظهور على اليهود ، وظفر ، وغنيمة ، (قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) على دينكم وفي الجهاد كنّا معكم ، فأعطونا قسما من الغنيمة ، (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ) يعنى : ظفر على المسلمين ، «قالوا» : يعني : المنافقين للكافرين : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) والاستحواذ : الاستيلاء والغلبة على الشّيء ، ومنه : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) [المجادلة : ١٩] ، ويقال : حاذ وأحاذ بمعنى ؛ والمصدر : الحوذ ، وفي المعنى وجوه :
الأول : أن المعنى : ألم نغلبكم ، ونتمكّن من قتلكم وأسركم ، ثم لم نفعل شيئا من ذلك ، (وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : ندفع عنكم صولة المؤمنين بتخذيلهم ، وتوانينا في مظاهرتهم ، فأعطونا نصيبا ممّا (١) أصبتم.
الثاني : قال المبرّد : يقول المنافقون (٢) للكفّار : ألم نغلبكم ؛ فإن المنافقين بالغوا في تنفير الكافرين ، وأطمعوهم أنه سيضعف أمر محمّد ، وسيقوى (٣) أمركم ، فإذا اتّفقت للكفّار دولة على المسلمين ، قال المنافقون : ألسنا غلبناكم على رأيكم في الدّخول في الإسلام ، ومنعناكم منه ، فلمّا شاهدتم صدق قولنا ، فأعطونا نصيبنا ممّا أخذتم ، ومراد المنافقين : إظهار المنّة على الكافرين بهذا الكلام.
الثالث : ألم نخبركم بعزيمة محمّد وأصحابه ، ونطلعكم على سرّهم.
فإن قيل : لم سمّى ظفر المسلمين فتحا ، وظفر الكفّار نصيبا.
فالجواب : أنه تعظيم لشأن المؤمنين ، وتحقير لحظّ الكافرين ؛ لأن ظفر المسلمين أمر عظيم ، يفتح الله له أبواب السّماء ؛ حتى تنزل الرّحمة على أولياء الله ، وأما ظفر الكافرين : فما هو إلا حظّ دنيويّ ينقضي ، ولا يبقى منه إلا اللّوم في الدّنيا ، والعقوبة في الأخرى.
قوله : «ونمنعكم» الجمهور على جزمه ، عطفا على ما قبله.
وقرأ ابن أبي عبلة (٤) بنصب العين وهي ظاهرة ؛ فإنه على إضمار «أن» بعد الواو المقتضية للجمع في جواب الاستفهام ؛ كقول الحطيئة : [الوافر]
__________________
(١) في أ : بما.
(٢) في ب : المؤمنون.
(٣) في ب : ويقوى.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٢٦ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٩١ ، والدر المصون ٢ / ٤٤٥.