الثاني : أنها بدل من «كسالى» ؛ ذكره أبو البقاء (١) ، فيكون حالا من فاعل «قاموا» وفيه نظر ، لأنّ الثّاني ليس الأول ولا بعضه ولا مشتملا عليه.
الثالث : أنها مستأنفة أخبر عنهم بذلك ، وأصل يراؤون : يرائيون ، فأعلّ كنظائره ، والجمهور على : «يراؤون» من المفاعلة.
قال الزّمخشريّ : فإن قلت : ما معنى المراءاة ، وهي مفاعلة من الرّؤية؟ قلت : لها وجهان:
أحدهما : أنّ المرائي يريهم عمله ، وهم يرونه الاستحسان.
والثاني : أن تكون من المفاعلة بمعنى : التّفعيل ، يقال : نعّمه وناعمه ، وفنّقه وفانقه ، وعيش مفانق ، وروى أبو زيد : «رأّت المرأة المرآة [الرّجل]» إذا أمسكتها له ليرى وجهه ؛ ويدل عليه قراءة ابن أبي (٢) إسحاق : «يرؤّونهم» بهمزة مشدّدة مثل : يدعّونهم ، أي : يبصّرونهم ويراؤونهم كذلك ، يعني : أن قراءة : «يرؤّونهم» من غير ألف ، بل بهمزة مضمومة مشدّدة توضّح أنّ المفاعلة هنا بمعنى التفعيل.
قال ابن عطيّة : «وهي ـ يعني هذه القراءة ـ أقوى من «يراؤون» في المعنى ؛ لأنّ معناها يحملون النّاس على أن يروهم ، ويتظاهرون لهم بالصّلاة ويبطنون النّفاق» وهذا منه ليس بجيّد ؛ لأنّ المفاعلة إن كانت على بابها ، فهي أبلغ لما عرف غير مرّة ، وإن كانت بمعنى التفعيل ، فهي وافية بالمعنى الذي أراده ، وكأنه لم يعرف أنّ المفاعلة قد تجيء بمعنى التّفعيل. ومتعلّق المراءاة محذوف ؛ ليعمّ كلّ ما يراءى به ، والأحسن أن تقدّر : يراؤون النّاس بأعمالهم.
قوله : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) «ولا يذكرون» ، يجوز أن يكون عطفا على «يراؤون» ، وأن يكون حالا من فاعل «يراؤون» وهو ضعيف ؛ لأن المضارع المنفيّ ب «لا» كالمثبت ، والمثبت إذا وقع حالا ، لا يقترن بالواو ، فإن جعلها عاطفة ، جاز.
وقوله : «قليلا» : نعت لمصدر محذوف ، أو لزمان محذوف ، أي : ذكرا قليلا أو زمنا قليلا ، والقلة هنا على بابها ، وجوّز الزّمخشريّ وابن عطيّة : أن تكون بمعنى العدم ، ويأباه كونه مستثنى ، وقد تقدّم الردّ عليهما في ذلك.
فصل
قال ابن عبّاس ، والحسن : إنّما قال ذلك ؛ لأنّهم يفعلونها رياء وسمعة (٣) ، ولو
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٩.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٩٣ ، والدر المصون ٢ / ٤٤٦.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٣١) عن قتادة وابن زيد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤١٧) عن قتادة وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.
وذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ٣٩٣) عن الحسن.