«وحقيقة المذبذب الذي يذبّ عن كلا الجانبين ، أي : يذاد ويدفع ، فلا يقرّ في جانب واحد ، كما يقال : «فلان يرمى به الرّحوان» ، إلا أنّ الذبذبة فيها تكرير ليس في الذّبّ ، كأنّ المعنى : كلّما مال إلى جانب ذبّ عنه».
قال ابن الأثير في «النهاية» (١) : وأصله من الذّبّ وهو الطّرد ؛ ومنه قوله ـ عليه الصلاة والسلام : «تزوّج وإلّا فأنت من المذبذبين» (٢) أي : المطرودين عن المؤمنين لأنّك لم تقتد بهم ، وعن الرّهبان (٣) ؛ لأنك تركت طريقتهم ، ويجوز أن يكون من الأوّل.
و «بين» معمول لقوله : «مذبذبين» و «ذلك» إشارة إلى الكفر والإيمان المدلول عليهما بذكر الكافرين والمؤمنين ، ونحو : [الوافر]
١٨٩٧ ـ إذا نهي السّفيه جرى إليه |
|
.................. (٤) |
أي : إلى السّفه ؛ لدلالة لفظ السفيه عليه ، وقال ابن عطية : «أشير إليه ، وإن لم يجر له ذكر ؛ لتضمّن الكلام له ؛ نحو : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢] (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن : ٢٦] يعني توارت الشمس ، وكلّ من على الأرض ؛ قال أبو حيان «وليس كذلك ، بل تقدّم ما يدلّ عليه» وذكر ما قدّمته ، وأشير ب «ذلك» وهو مفرد لاثنين ؛ لما تقدّم في قوله (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨].
قوله : (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) «إلى» في الموضعين متعلقة بمحذوف ، وذلك المحذوف هو حال حذف ؛ لدلالة المعنى عليه ، والتقدير : مذبذبين لا منسوبين إلى هؤلاء ولا منسوبين إلى هؤلاء ، فالعامل في الحال نفس «مذبذبين» ، قال أبو البقاء (٥) : «وموضع «لا إلى هؤلاء» نصب على الحال من الضمير في مذبذبين ، أي : يتذبذبون متلوّنين» وهذا تفسير معنى ، لا إعراب.
فصل
قال قتادة : معنى الآية : ليسوا مؤمنين مخلصين ، فيجب لهم ما يجب للمؤمنين ، ولا مشركين مصرّحين بالشّرك (٦).
__________________
(١) ينظر : النهاية ٢ / ١٥٤.
(٢) أخرجه أحمد (٥ / ١٦٤) وعبد الرزاق (٦ / ١٧١) وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (٢ / ٦٠٨) من طريق مكحول عن رجل عن أبي ذر قال ابن الجوزي : لا يصح وفيه رجل مجهول.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٤ / ٢٥٣) وقال : وفيه راو لم يسم ، وبقية رجاله ثقات.
(٣) في ب : الرضيات.
(٤) تقدم برقم ١٥٧٣.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٩.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٣٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤١٨) وزاد نسبته لابن المنذر.