وروى نافع عن ابن عمر ، عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «مثل المنافق كمثل [الشّاة](١) العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرّة وإلى هذه مرّة» (٢).
فصل في أن الحيرة في الدين بإيجاد الله تعالى
استدلّوا بهذه الآية على أنّ الحيرة في الدّين إنّما تحصل (٣) بإيجاد الله ـ تعالى ـ ؛ لأن قوله : «مذبذبين» يقتضي فاعلا قد ذبذبهم ، وصيّرهم متردّدين ، وذلك ليس باختيار العبد ، فإن الإنسان إذا وقع في قلبه الدّواعي المتعارضة ، الموجبة للتّحيّر والتّردّد ، فلو أراد أن يدفع ذلك التّردّد عن نفسه ، لم يقدر عليه أصلا ، ومن تأمّل في أحواله علم ذلك ، وإذا ثبت أنّ تلك الذّبذبة لا بدّ لها من فاعل ، وأن فاعلها ليس هو العبد ؛ ثبت أنّ فاعلها هو الله ـ تعالى ـ.
فإن قيل : قوله ـ تعالى ـ : (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) يقتضي ذمّهم على ترك طريقة المؤمنين ، وطريقة الكفّار ، والذّمّ على ترك طريق الكفّار غير جائز.
فالجواب : أنّ طريقة الكفّار وإن كانت خبيثة ، إلا أن طريقة النّفاق أخبث منها ؛ ولذلك فإن الله ـ تعالى ـ (٤) ذم الكفّار في أوّل سورة البقرة في آيتين ، وذمّ المنافقين في تسع عشرة آية ، وما ذلك (٥) إلا لأن طريقة النّفاق أخبث من طريقة الكفّار ، فهو ـ تعالى ـ لم يذمّهم على ترك الكفر ، بل لأنّهم عدلوا عن الكفر إلى ما هو أخبث من الكفر.
قوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) أي : طريقا إلى الهدى.
واستدلوا بهذه الآية على مسألتين :
الأولى : أن تلك الذّبذبة من الله ـ تعالى ـ ، وإلا لم يتّصل هذا الكلام بما قبله.
الثانية : أنه صريح في أن الله ـ تعالى ـ أضلّهم (٦) عن الدّين.
قالت المعتزلة (٧) : فمعنى هذا الإضلال : أنه عبارة عن حكم الله (٨) ـ تعالى ـ عليه بالضّلال ، أو أنّه ـ تعالى ـ يضلّه يوم القيامة عن طريق الجنّة ، وقد تقدّم مثل ذلك.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً)(١٤٤)
لما ذمّ المنافقين بأنّهم لم يستقرّوا مع أحد الطّريقين ، نهى المسلمين أن يفعلوا فعل
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه مسلم (٢ / ٢١٤٦) كتاب صفات المنافقين حديث (١٧ / ٢٧٨٤) والطبري (٩ / ٣٣٣) وأحمد (٥٧٩٠ ـ شاكر) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٣) في ب : حصل.
(٤) في ب : فإنه تعالى.
(٥) في ب : ذاك.
(٦) في ب : يضلهم.
(٧) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٦٨.
(٨) في ب : الحكم لله.