يتقوّلون ، ويؤلّفون ، ويضمرون في أذهانهم ، والتبييت : تدبير الفعل ليلا ، والذي لا يرضاه الله من القول ؛ هو أنّ طعمة قال : أرمي اليهودي بأنّه هو الّذي سرق الدّرع ، وأحلف أنّي لم أسرقها ، ويقبل الرّسول يميني ؛ [لأني](١) على دينه ، ولا يقبل يمين اليهودي.
فإن قيل : لم سمّى التّبييت (٢) قولا ، وهو معنى في النّفس؟.
فالجواب : أن الكلام الحقيقي هو المعنى القائم بالنّفس ، وعلى هذا فلا إشكال ، ومن أنكر كلام النّفس ، قال : إن طعمة وأصحابه أجمعوا في اللّيل ، ورتّبوا كيفيّة (٣) الحيلة والمكر ؛ فسمّى الله ـ تعالى ـ كلامهم ذلك بالقول المبيّت الذي لا يرضاه ، ثم قال : (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) والمراد به : الوعيد ؛ لأنهم وإن كانوا يخفون كيفيّة المكر والخداع عن النّاس ، فإنها ظاهرة في علم الله ؛ لأنّه ـ تعالى ـ محيط بجميع المعلومات لا يخفى عليه منها شيء.
قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)(١٠٩)
«ها» للتّنبيه في «أنتم» ، و «هؤلاء» : مبتدأ وخبر «جادلتم» جملة مبينة لوقوع «أولاء» خبرا ؛ كما تقول لبعض الأسخياء : أنت حاتم تجود بمالك ، وتؤثر على نفسك ، ويجوز أن يكون «أولاء» اسما موصولا ، بمعنى : الّذين ، و «جادلتم» صلة وتقدّم الكلام على نحو (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ، والجدال في اللّغة [عبارة](٤) عن شدّة المخاصمة من الجدل وهو شدة الفتل ، وجدل الحبل : شدّة فتله ، ورجل مجدول كأنه فتل ، والأجدل : الصّقر ؛ لأنّه [من] أشدّ الطّيور قوّة ؛ هذا قول الزّجّاج ، والمعنى : أن كل واحد [من الخصمين](٥) يريد فتل خصمه عن مذهبه ، وصرفه عن رأيه بطريق الحجاج ، وقيل : الجدال من الجدالة وهي الأرض ، وكلّ واحد من الخصمين يروم قهر صاحبه ، وصرعه (٦) عن الجدالة ، وهذا خطاب مع قوم من المؤمنين ، كانوا يذبّون عن طعمة وعن قومه : بسبب أنهم كانوا في الظّاهر مسلمين ، والمعنى : هبوا أنّكم خاصمتم عن طعمة وقومه في الدّنيا ، فمن يخاصم عنهم في الآخرة إذا أخذهم الله بعذابه.
وقرأ أبيّ بن (٧) كعب ، وعبد الله بن مسعود : «وجادلتم عنه» يعني : طعمة.
وقوله : (فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) : استفهام توبيخ وتقريع ، و «من»
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : التدبير.
(٣) في ب : كيف.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في ب.
(٦) في ب : وصرفه.
(٧) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٦٠.