المنافقين ؛ فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) والسبب فيه : أن الأنصار بالمدينة كانت لهم [في قريظة](١) رضاع وحلف ومودّة ، فقالوا : يا رسول الله ، من نتولّى؟ فقال : «المهاجرين» ، فنزلت هذه الاية (٢).
وقال القفّال ـ رحمهالله تعالى (٣) ـ : هذا نهي للمسلمين عن موالاة المنافقين ، يقول (٤) : قد بيّنت لكم أحوال هؤلاء المنافقين ومذاهبهم ، فلا تتّخذوا منهم أولياء.
ثم قال : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) ، [فإن حملناه على الأوّل وهو نهي المؤمنين عن موالاة الكفّار ، كان المعنى : أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا](٥) على كونكم منافقين ، المراد أتريدون أن تجعلوا لأهل دين الله وهم الرّسول وأمته ، وإن حملناه على المنافقين ، كان المعنى : أتريدون أن تجعلوا لله عليكم في عقابكم حجّة ؛ بسبب موالاتكم مع المنافقين.
قوله : «سلطانا» : السلطان يذكّر ويؤنث ، فتذكيره باعتبار البرهان ، وتأنيثه باعتبار الحجّة ، إلا أن التأنيث أكثر عند الفصحاء ، كذا قاله الفرّاء ، وحكى : «قضت عليك السلطان» و «أخذت فلانا السلطان» وعلى هذا فكيف ذكّرت صفته ، فقيل : مبينا دون : مبينة؟ والجواب : أن الصفة هنا رأس فاصلة ، فلذلك عدل إلى التذكير ، دون التأنيث ، وقال ابن عطية ما يخالف ما حكاه الفراء ؛ فإنه قال : «والتذكير أشهر ، وهي لغة القرآن ؛ حيث وقع». و «عليكم» يجوز تعلّقه بالجعل ، أو بمحذوف على أنه حال من «سلطانا» لأنه صفة له في الأصل ، وقد تقدّم نظيره.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً)(١٤٦)
(٦) الدّرك : قرأ الكوفيّون (٧) ـ بخلاف عن عاصم ـ بسكون الراء ، والباقون بفتحها ، وفي ذلك قولان :
أحدهما : أنّ الدّرك والدّرك لغتان بمعنى واحد ، كالشّمع والشّمع ، والقدر والقدر.
والثاني : أن الدّرك بالفتح جمع «دركة» على حدّ بقر وبقرة.
وقال أبو حاتم : جمع الدّرك : أدراك ؛ مثل حمل وأحمال ، وفرس وأفراس ، وجمع الدرك : أدرك ؛ مثل أفلس وأكلب.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٦٩.
(٤) في ب : تقول.
(٥) سقط في ب.
(٦) سقط في ب.
(٧) ينظر : السبعة ٢٣٩ ، والحجة ٣ / ١٨٨ ، وحجة القراءات ٢١٨ ، وإعراب القراءات ١ / ١٣٨ ، ١٣٩ ، والعنوان ٨٦ ، وشرح شعلة ٣٤٦ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٢٠ ، وإتحاف ١ / ٥٢٢.