بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) وقد تقدّم الاستدلال على أنّ صاحب الكبيرة مؤمن.
فصل
قالت المعتزلة : دلّت هذه الآية على أنّه ـ سبحانه [وتعالى](١) ـ ما خلق خلقا ابتداء لأجل التّعذيب (٢) والعقاب ؛ لأن قوله : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) صريح في أنّه ـ تعالى ـ لم يخلق أحدا لغرض التّعذيب.
ودلّت أيضا على أنّ فاعل الشّكر والإيمان هو العبد ، وليس (٣) ذلك فعلا لله تعالى وإلا لصار التّقدير : ما يفعل الله بعذابكم بعد أن خلق الشّكر والإيمان فيكم ، وذلك غير منتظم.
وتقدّم الجواب عن مثل ذلك. ثم قال (وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) أمرهم بالشّكر ، وسمّى الجزاء شكرا ، على سبيل الاستعارة ، فالشّكر من الله هو الرّضا بالقليل من عباده ، وإضعاف الثّواب عليه ، والشّكر من العبد الطّاعة ، والمراد من كونه عليما : أنّه عالم بجميع الجزئيّات ، فلا يقع له الغلط ألبتّة ، فلا جرم يوصل الثّواب إلى الشّاكر ، والعقاب إلى المعرض.
قوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً)(١٤٨)
(٤) في كيفيّة النّظم وجهان :
أحدهما : أنه ـ تعالى ـ لمّا فضح المنافقين وهتك سترهم ، وكان هتك السّتر غير لائق بالرّحيم الكريم ، ذكر ـ تعالى ـ ما يجري مجرى العذر من ذلك ؛ فقال : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) يعني : لا يحبّ إظهار الفضائح ، إلّا في حقّ من عظم ضرره وكثر كيده ومكره ، فعند ذلك يجوز إظهار فضائحه ؛ ولهذا قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره النّاس» (٥) والمنافقون قد كثر كيدهم
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : العذاب.
(٣) في ب : فليس.
(٤) سقط في ب.
(٥) أخرجه العقيلي (١ / ٢٠٢) وابن حبان في «المجروحين» (١ / ٢١٥) وابن عدي في «الكامل» (٢ / ٢٦٠) والبيهقي (١٠ / ٢١٥) من طريق الجارود بن يزيد عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أترعون عن ذكر الفاجر ؛ اذكروه بما فيه يحذره الناس.
قال العقيلي : ليس له من حدث بهز أصل ولا من حديث غيره ولا يتابع عليه من طريق يثبت.
قال البيهقي : هذا يعرف بالجارود بن يزيد النيسابوري وأنكره عليه أهل العلم بالحديث سمعت أبا عبد الله الحافظ يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ غير مرة يقول : كان أبو بكر الجارودي إذا مر بقبر جده يقول : يا أبة لو لم تحدث بحديث بهز بن حكيم لزرتك.
وقال ابن عدي والبيهقي : وقد سرقه عنه جماعة من الضعفاء فروه عن بهز بن حكيم ولم يصح فيه شيء. ـ