الله ، ولو سلّم أن «من» مرفوعة المحلّ ، فيتخيلّ فيها عموم ، فيبدل منها «الله» مجازا ؛ كأنه قيل : لا يعلم الموجودون الغيب إلّا الله ، أو يكون على سبيل المجاز في الظرفيّة بالنسبة إلى الله تعالى ؛ إذ جاء ذلك عنه في القرآن والسنة نحو : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) [الأنعام : ٣] (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الزخرف : ٨٤] ، قال : «أين الله» قالت : (فِي السَّماءِ) ، ومن كلام العرب : «لا وذو في السّماء بيته» يعنون الله ، وإذ احتملت الآية هذه الوجوه ، لم يتعيّن حملها على ما ذكره» انتهى ما ردّ به عليهما.
[وقال شهاب الدين :](١) أمّا ردّه على ابن عطية ، فواضح ، وأمّا ردّه على الزمخشريّ ، ففي بعضه نظر ، أما قوله : «لا نعلمها لغة إلا في كتاب سيبويه» ، فكفى به دليلا على صحة استعمال مثله ، ولذلك شرح الشّرّاح لكتاب سيبويه هذا الكلام ؛ بأنه قياس كلام العرب لما أنشد من الأبيات ، وأمّا تأويله «ما أتاني زيد إلّا عمرو» ب «ما أتاني ولا غيره» ، فلا يتعيّن ما قاله ، وتصحيح الاستثناء فيه أنّ قول القائل : «ما أتاني زيد» قد يوهم أن عمرا أيضا لم يجئه ، فنفى هذا التوهّم ، وهذا القدر كاف في الاستثناء المنقطع ، ولو كان تأويل «ما أتاني زيد إلّا عمرو» على ما قال ، لم يكن استثناء منقطعا بل متصلا ، وقد اتفق النحويّون على أن ذلك من المنقطع ، وأمّا تأويل الآية بما ذكره ، فالتجوّز في ذلك أمر خطر ، فلا ينبغي أن يقدم على مثله.
فصل
قال المفسرون (٢) : معنى (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) : القول القبيح ، (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) فيجوز للمظلوم أن يخبر عن ظلم الظّالم ، وأن يدعو عليه ؛ قال ـ [تعالى](٣) ـ : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) [الشورى : ٤١].
قال الحسن دعاؤه عليه أن يقول : «اللهمّ أعنّي عليه ، اللهمّ استخرج حقّي [اللهم حل بيني وبين ما يريد ونحوه من الدعاء (٤)](٥).
وقيل : إن شتم جاز أن يشتم بمثله ، ولا يزيد عليه.
قال ابن عبّاس وقتادة : لا يحبّ الله رفع الصّوت بما يسوء غيره ، إلا المظلوم فإنّ له أن يرفع صوته بالدّعاء على ظالمه (٦).
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٤٥٣.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٩٣.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٣٩ عن الحسن.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٤٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٢٠) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.