سورة الأنفال
[٣٥١] فإن قيل : قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال : ٢] إلى آخر الآيتين ، يدل على أن من لم يتصف بجميع تلك الصفات لا يكون مؤمنا ؛ لأن كلمة إنما للحصر.
قلنا : فيه إضمار تقديره : إنما المؤمنون إيمانا كاملا ، وإنما الكاملون في الإيمان ، كما يقال : الرجل من تصبّر على الشدائد ، يعني الرجل الكامل.
[٣٥٢] فإن قيل : قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) [الأنفال : ٧٤] ينفي إرادة ما ذكرتم.
قلنا : معناه أولئك هم المؤمنون إيمانا كاملا حقا.
وقيل : إنّ حقا متعلق بما بعده لا بما قبله ، والمؤمنون تمام الكلام.
[٣٥٣] فإن قيل : كيف يقال : إن الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان ، وقد قال تعالى : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) [الأنفال : ٢]؟
قلنا : المراد هنا آثار الإيمان من الطمأنينة واليقين والخشية ونحو ذلك ؛ لأن تظاهر الأدلة على المدلول مما يزيده رسوخا في العقائد وثبوتا ، فأما حقيقة الإيمان فهو التصديق والإقرار بوحدانية الله تعالى. وكما أن الإلهية الوحدانية لا تقبل الزيادة والنقصان ، فكذا الإقرار بها.
[٣٥٤] فإن قيل : قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) [الأنفال : ٥] تشبيه ، فأين المشبه والمشبه به؟
قلنا : معناه أمض على ما رأيته صوابا من تنفيل الغزاة في قسمة الغنائم وإن كرهوا ، كما مضيت في خروجك من بيتك للحرب بالحق وهم كارهون.
وقيل معناه : فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فهو خير لكم وإن كرهتم ، كما كان إخراجك من بيتك بالحق.
[٣٥٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) [الأنفال : ٨] وكلاهما متعذر ، لأنه تحصيل الحاصل؟
قلنا : المراد بالحق الإيمان ، والباطل الشرك ، فاندفع السؤال.