الثاني : أنه إنّما أفرد باعتبار عود الضمير إلى الله وحده لأنه الأصل ، مع أن طاعة الله وطاعة رسوله متلازمان ، قال الله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] ، وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠] فكان الإعراض عن الرسول إعراضا عن الله تعالى فاكتفى بذكره.
الثالث : أن معناه : ولا تولوا عن هذا الأمر وعن أمثاله ، فالضمير للأمر لا للرسول عليه الصلاة والسلام.
الرابع : أنّه إنما لم يقل ولا تولوا عنهما لئلّا يلزم منه الإخلال بالأدب من النبي عليه الصلاة والسلام عند نهيه للكفار في قرانه بين اسمه واسم الله تعالى في ذكرهما بلفظ واحد من غير تقديم اسم الله ، كما روي : أن خطيبا خطب فقال : من أطاع الله ورسوله فقد رشد ، ومن عصاهما فقد غوى ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «بئس خطيب القوم أنت! هلّا قلت : ومن عصى الله ورسوله فقد غوى»؟
[٣٥٩] فإن قيل : ما معنى قوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) [الأنفال : ٢٣] الآية؟
قلنا : معناه ولو علم الله فيهم تصديقا وإيمانا في المستقبل لأسمعهم سماع فهم وقبول ، أو لأنطق لهم الموتى يشهدون بصدق نبوتك كما طلبوا.
وقيل : معنى لأسمعهم : لرزقهم الفهم والبصيرة ، وأسمعهم وحالهم هذه الحال ، وهو أنه لم يعلم فيهم الخير ، لتولوا وهم معرضون ، لعنادهم وجحودهم الحق بعد ظهوره.
[٣٦٠] فإن قيل : التولي والإعراض واحد ، فما فائدة قوله : (لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال : ٣٢].
قلنا : معناه لتولوا عن الإيمان وأعرضوا عن البرهان فلا تكرار.
[٣٦١] فإن قيل : فما فائدة ذكر السماء في قوله تعالى : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢] والمطر إنما يكون من السماء؟
قلنا : المطر المطلق. إنما يكون من السماء ، ولكن المطر المضاف هنا وهو مطر الحجارة قد يكون من رءوس الجبال ومن حيطان المساكن والقصور وسقوفها ، فكان ذكر السماء مفيدا لأن الحجارة إذا نزلت من المساء كانت أشد نكاية وأكثر ضررا.
الثاني : أنه لما كانت الحجارة المسومة للعذاب وهي السجيل معهودة النزول من السماء ذكر السماء إشارة إلى إرادة المعهود من الحجارة ، كأنه قال : فأمطر علينا حجارة من سجيل ، فوضع قوله من السماء موضع قوله من سجيل كما تقول : صب عليه مسرودة من حديث ، يعني درعا.