قلنا : معناه أن تنزل فيهم ، فعلى هنا بمعنى في كما في قوله تعالى : (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) [البقرة : ١٠٢] وقولهم كان ذلك على عهد فلان.
الثاني : أن الإنزال هنا بمعنى القراءة ؛ فمعناه أن تقرأ عليهم.
[٣٩٧] فإن قيل : الحذر في هذه الآية واقع منهم على إنزال السورة ، فكيف قال تعالى : (قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) [التوبة : ٦٤]؟
قلنا : قوله تعالى : (مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) أي مظهر ما تحذرون ظهوره من نفاقكم بإنزال السورة ، وهو مناسب لقوله تعالى : (تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) [التوبة : ٦٤].
الثاني : أن معناه مظهر ومبرز ما تحذرون من إنزال السورة.
[٣٩٨] فإن قيل : كيف قال تعالى : (تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) وإنباؤهم بما في قلوبهم تحصيل الحاصل ؛ لأنّهم عالمون به فما فائدته؟
قلنا : معناه تنبئهم بأن أسرارهم وما كتموه من النفاق شائعة ذائعة ؛ وتفضحهم بظهور ما اعتقدوا أنه لا يعرفه غيرهم ولا يطلع عليه سواهم ، وهذا ليس تحصيل الحاصل.
[٣٩٩] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) [التوبة : ٦٧] وقال بعده (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التوبة : ٧١] وكلمة «من» أدل على المشابهة والمجانسة من حيث أنها تقتضي الجزئية والبعضية ، فكانت بالمؤمنين أولى وأحرى ؛ لأنهم أشد تشابها وتجانسا في الصفات والأخلاق؟
قلنا : المراد بقوله تعالى : (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي بعضهم على دين بعض ، أي على عادتهم وخلقهم بإضمار لفظة الدين أو الخلق ونحوه ؛ لأن «من» تأتي بمعنى على ، ومنه قوله تعالى : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) [الأنبياء : ٧٧] وقوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) [البقرة : ٢٢٦] ، أي يحلفون على وطء نسائهم ، وهذا هو المعنى المراد في قوله عليه الصلاة والسلام : «فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» وقوله عليه الصلاة والسلام : «من غشّنا فليس منّا» ، والمراد بقوله تعالى : (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ، أي أنصارهم وأعوانهم في الدين ، وكل واحدة من العبارتين صالحة للفريقين ، إلا أنه خص المنافقين بتلك العبارة تكذيبا لهم في حلفهم السابق في قوله تعالى : (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) [التوبة : ٥٦] وتقريرا لقوله تعالى : (وَما هُمْ مِنْكُمْ) [التوبة : ٥٦]؟
[٤٠٠] فإن قيل : أيّ فائدة في قوله تعالى : (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) [التوبة : ٦٩] مع أن قوله تعالى : (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ)
__________________
[٣٩٩] ـ قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «فمن رغب عن سنتي فليس مني» أخرجه أحمد في مسنده : ٢ / ١٥٨.
ـ قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من غشّنا فليس منّا» أخرجه أحمد في مسنده : ٢ / ٥٠.