سورة البقرة
[٥] فإن قيل : كيف قال : (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : ٢] على سبيل الاستغراق؟ وكم ضالّ قد ارتاب فيه! ويؤيد ذلك قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا)؟ [البقرة : ٢٣].
قلنا : المراد أنه ليس محلا للرّيب ، أو معناه : لا ريب فيه عند الله ورسوله والمؤمنين ، أو هو نفي معناه النهي : أي لا ترتابوا فيه أنه من عند الله تعالى. ونظيره قوله تعالى : (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) [الحج : ٧].
[٦] فإن قيل : كيف قال : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) والمتّقون مهتدون فكأنّ فيه تحصيل الحاصل؟
قلنا : إنّما صاروا متّقين بما استفادوا منه من الهدى ، أو أراد أنه ثبات لهم على الهدى وزيادة فيه ، أو خصّهم بالذّكر ، لأنّهم هم الفائزون بمنافعه ، حيث قبلوه واتّبعوه كقوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٥] أو أراد الفريقين من يتّقي ومن لم يتّق ، واقتصر على أحدهما ، كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النمل : ٨١].
[٧] فإن قيل : المخادعة إنّما تتصوّر في حقّ من يخفى عليه الأمور ، ليتمّ الخداع في حقّه. يقال : خدعه إذا أراد به المكروه من حيث لا يعلم ؛ والله تعالى لا يخفى عليه شيء ؛ فكيف قال : (يُخادِعُونَ اللهَ)؟
قلنا : معناه يخادعون رسول الله ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠] ، وقوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] ؛ أو سمّى نفاقهم خداعا لشبهه بفعل المخادع.
[٨] فإن قيل : كيف حصر الفساد في المنافقين ، بقوله : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) [البقرة : ١٢] ، ومعلوم أنّ غيرهم مفسد؟
قلنا : المراد بالفساد الفساد بالنّفاق. وهم كانوا مختصّين به.
__________________
[٦] سرابيل : مفردها سربال (بالكسر) وهو القميص. وقيل هو كل ما لبس وتسربل به ، كالقميص والدّرع.