قلنا : فيه إضمار تقديره : أتقولون للحق لما جاءكم إن هذا لسحر مبين. ثم قال أسحر هذا إنكارا لما قالوه ، فالاستفهام من قول موسى عليهالسلام لا مفعول لقولهم.
[٤٣١] فإن قيل : كيف نوّع الخطاب في قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس : ٨٧] فثنى أولا ، ثم جمع ، ثم أفرد؟
قلنا : خوطب أولا موسى وهارون أن يتبوءا لقومهما بيوتا ويختاراها للعبادة ، وذلك مما يفوض إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ثم سبق الخطاب عاما لهما ولقومهما باتخاذ المساجد والصلاة فيها ، لأن ذلك واجب على الجمهور ، ثم خص موسى عليهالسلام بالبشارة تعظيما لها أو تعظيما له عليهالسلام.
[٤٣٢] فإن قيل : كيف قال تعالى : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) [يونس : ٨٩] أضافها إليهما ، والدعوة إنما صدرت من موسى عليهالسلام ، قال الله تعالى : (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً) [يونس : ٨٨] إلى آخر الآية؟
قلنا : نقل أن موسى عليهالسلام كان يدعو وهارون كان يؤمن على دعائه ؛ والتأمين دعاء في المعنى فلهذا أضاف الدعوة إليهما.
الثاني : أنه يجوز أن يكون هارون دعا أيضا مع موسى ، إلا أن الله تعالى خص موسى بالذكر ؛ لأنه كان أسبق بالدّعوة أو أحرص عليها أو أكثر إخلاصا فيها.
[٤٣٣] فإنه قيل : لو كان كذلك لقال تعالى دعوتاكما بالتثنية؟
قلنا : لما كانت الدعوة مصدرا اكتفى بذكرها في موضع الإفراد والتثنية والجمع بصيغة واحدة كسائر المصادر ، ونظيره قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) [البقرة : ٧].
[٤٣٤] فإنه قيل : كيف قال تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) [يونس : ٩٤] وإن إنما تدخل على ما هو محتمل الوجود ، وشك النبي صلىاللهعليهوسلم في القرآن منتف قطعا؟
قلنا : الخطاب ليس للنبي صلىاللهعليهوسلم بل لمن كان شاكّا في القرآن وفي نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فكأنه قال : «فإن كنت أيها الإنسان في شك».
[٤٣٥] فإن قيل : قوله تعالى : (مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) [يونس : ٩٤] يدل على أن الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم لا لغيره.
قلنا : لا يدل ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) [النساء : ١٧٤] وقال تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ) [التوبة : ٦٤].
الثاني : أن الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمراد غيره كما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ