سورة يوسف عليهالسلام
[٤٧٤] فإن قيل : كيف قال : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) [يوسف : ٤] ولم يقل ثلاثة عشر كوكبا وهو أوجز وأخصر ، والذي رآه كان أحد عشر كوكبا غير الشمس والقمر؟
قلنا : قصد عطفهما على الكواكب تخصيصا لهما بالذكر وتفضيلا لهما على سائر الكواكب لما لهما من المزية والرتبة على الكل ، ونظيره تأخير جبريل وميكائيل عن الملائكة عليهمالسلام ثم عطفهما عليهم ، إن قلنا إنهما غير مرادين بلفظ الملائكة ، وكذا قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [البقرة : ٢٣٨] إن قلنا إنّها غير مرادة بلفظ الصلوات.
[٤٧٥] فإن قيل : ما فائدة تكرار رأيت؟
قلنا : قال الزمخشري : ليس ذلك تكرارا ؛ بل هو كلام مستأنف وضع جوابا لسؤال مقدر من يعقوب عليهالسلام ، كأنه قال له بعد قوله تعالى : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) [يوسف : ٤] كيف رأيتها سائلا عن حال رؤيتها؟ فقال مجيبا له (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤] وقال الزّجاج : إنّما كرر الفعل تأكيدا لما طال الكلام كما في قوله تعالى : (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) [الروم : ٧] (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) [الأعراف : ٤٥] وقال غيره ، إنما كرره تفخيما للرؤية وتعظيما لها.
[٤٧٦] فإن قيل : كيف أجريت مجرى العقلاء في قوله : (رَأَيْتُهُمْ) ، وفي قوله : (ساجِدِينَ) ، وأصله رأيتها ساجدة؟
قلنا : لما وصفها بما هو من صفات من يعقل وهو السجود أجرى عليها حكمه كأنها عاقلة ، وهذا شائع في كلامهم أن يلابس الشيء الشيء من بعض الوجوه فيعطى حكما من أحكامه إظهارا لأثر الملابسة المقارنة ، ونظيره قوله تعالى : (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا) [النمل : ١٨] وقوله تعالى ، في وصف السماء والأرض : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١].
[٤٧٧] فإن قيل : كيف قال : (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) [يوسف : ١٢] وكانوا عاقلين بالغين وأنبياء أيضا في قول البعض ، وكيف رضي يعقوب عليهالسلام لهم بذلك؟