سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام
[٥٠٥] فإن قيل : كيف قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) [إبراهيم : ٤] هذا في حق غير النبيّ عليه الصلاة والسلام من الرسل مناسب ؛ لأن غيره لم يبعث إلى الناس كافة ، بل إلى قومه فقط ، فأرسل بلسانهم ليفقهوا عنه الرسالة ولا تبقى لهم حجة بأنا لم نفهم رسالتك ، فأما النبيّ عليه الصلاة والسلام فإنه بعث إلى الناس كافة ، قال تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٨] (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) [سبأ : ٢٨] فإرساله بلسان قومه إن كان لقطع حجة العرب ، فالحجة باقية لغيرهم من أهل الألسن الباقية ، وإن لم يكن لغير العرب حجة أن لو نزل القرآن بلسان غير العرب يكن للعرب الحجة.
قلنا : نزوله على النبيّ عليه الصلاة والسلام بلسان واحد كاف ؛ لأن الترجمة لأهل بقية الألسن تغني عن نزوله لجميع الألسن ، ويكفي مئونة التطويل كما جرى في القرآن العزيز.
الثاني : أن نزوله بلسان واحد أبعد عن التحريف والتبديل ، وأسلم من التنازع والخلاف.
الثالث : أنه لو نزل بألسنة كل الناس وكان معجزا في كل واحد منها ، وكلم الرسول العربي كل أمة بلسانها ، كما كلم أمته التي هو منها لكان ذلك أمرا قريبا من القسر والإلجاء ، وبعثة الرسل لم تبن على القسر والإلجاء ؛ بل على التمكين من الاختيار ، فلما كان نزوله بلسان واحد كافيا كان أولى الألسنة لسان قوم الرسول ؛ لأنهم أقرب إليه وأفهم عنه.
[٥٠٦] فإن قيل : (يُذَبِّحُونَ) [البقرة : ٤٩] وفي سورة الأعراف : (يُقَتِّلُونَ) [الأعراف : ١٤١] بغير واو فيهما ، وقال هنا (وَيُذَبِّحُونَ) [إبراهيم : ٦] بالواو والقصة واحدة؟
قلنا : حيث حذف الواو وجعل التذبيح والتقتيل تفسيرا للعذاب ، وبيانا له ، وحيث أثبتها جعل التذبيح كأنه جنس آخر غير العذاب ؛ لأنه أوفى على بقية أنواعه وزاد عليها زيادة ظاهرة ، فعلى هذا يكون إثبات الواو أبلغ.