قلنا : المراد أنّه دائم غير متبدّل وإن كان نوعين.
[١٨] فإن قيل : كيف قال : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) [البقرة : ٦١] ، وقتل النبيين لا يكون إلّا بغير الحق؟
قلنا : معناه بغير الحقّ في اعتقادهم ؛ ولأن التّصريح بصفة فعلهم القبيح أبلغ في ذمّهم ؛ وإن كانت تلك الصفة لازمة للفعل ، كما في عكسه ؛ كقوله : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) [الأنبياء : ١١٢] ، لزيادة معنى في التّصريح بالصّفة ؛ ولأن قتل النبيّ قد يكون بحقّ ؛ كقتل إبراهيم ، صلوات الله على نبيّنا وعليه ، ولده ؛ لو وجد ، لكان بحقّ.
[١٩] فإن قيل : كيف قال : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) [البقرة : ٦٥] ، وانتقالهم من صورة البشر إلى صورة القردة ليس في وسعهم؟
قلنا : هذا أمر إيجاد لا أمر إيجاب ؛ فهو من قبيل قوله عزوجل : (كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠].
[٢٠] فإن قيل : كيف قال : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨] ، ولفظة بين تقتضي شيئين فصاعدا. فكيف جاز دخولها على ذلك وهو مفرد؟
قلنا : ذلك يشاء به إلى المفرد والمثنى والمجموع ؛ ومنه قوله تعالى : (بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٥٨] ، وقوله تعالى : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران : ١٨٦] وقوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) [آل عمران : ١٤] ، إلى قوله تعالى : (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا). فمعناه عوان بين الفارض والبكر ، وسيأتي تمامه في قوله عزوجل : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥] ، إن شاء الله تعالى.
__________________
ـ ويمكن توجيه وحدة المسمّى وتعدد التسمية بأن يقال : المنّ اسم للنعمة الحسيّة وهو الطعام المذكور ، والسلوى صفة مصاحبة لذلك الطّعام ، وهي نعمة معنوية. وحاصله ، أنّه أنزل لهم طعام المنّ وجعل لهم فيه السلوى. ولكنهم ، مع ذلك ، كفروا النعمة. هذا ، وفسرت السلوى بأنها اسم طائر. ثمّ ، لو فرض أن المن والسلوى طعامان ، فيمكن أن يجاب بأن إفراد الطعام بلحاظ وحدة الجنس أو الغاية وهو المأكول ، أو أنه جاء على طريقة العرب في الاكتفاء بالواحد عن الاثنين ، أو الاكتفاء بالواحد عن الجمع ، كقول الشاعر :
والعين بعدهم كأنّ حداقها |
|
سملت بشوك فهي عور تدمع |
[٢٠] عوان : تقال في الحيوان كالبقر والخيل على التي نتجت بعد بطنها البكر. وقال الرّاغب : العوان : المتوسط بين السنين.
ـ فارض : يقال للمسن من البقر.
ـ بكر : المراد بها في الآية ، التي لم تلد.