سورة النحل
[٥٣٦] فإن قيل : لم قدمت الإراحة وهي مؤخرة في الواقع على السروح وهو مقدم في الواقع في قوله تعالى : (حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل : ٦]؟
قلنا : لأن الأنعام في وقت الإراحة وهي ردها عشيا إلى المراح تكون أجمل وأحسن ، لأنها تقبل ملأى البطون حاملة الضروع متهادية في مشيها يتبع بعضها بعضا ، بخلاف وقت السروح وهو إخراجها إلى المرعى فإن كل هذه الأمور تكون على ضد ذلك.
[٥٣٧] فإن قيل : قوله تعالى : (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) [النحل : ٧] إن أريد به لم تكونوا بالغيه عليها إلا بشق الأنفس فلا امتنان فيه ، وإن أريد به لم تكونوا بالغيه بدونها إلا بشق الأنفس فهم لا يبلغونه عليها أيضا إلا بشق الأنفس ، فما فائدة ذلك؟
قلنا : معناه وتحمل أثقالكم ، أي أجسامكم وأمتعتكم معكم إلى بلد بعيد قد علمتم أنكم لا تبلغونه بدونها بأنفسكم من غير أمتعتكم إلا بجهد ومشقة ، فكيف لو حملتم أمتعتكم على ظهوركم؟ والمراد بالمشقة : المشقة التي تنشأ من المشي ، أو من المشي مع الحمل على الظهر لا مطلق مشقة السفر ، وهذا مخصوص بحال فقد الإبل ، فظهر فائدة ذلك.
[٥٣٨] فإن قيل : قوله تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) [النحل : ٥] يقتضي حرمة أكل الخيل كما اقتضاه في البغال والحمير من حيث أنه لم ينص على منفعة أخرى فيها غير الركوب والزينة ، ومن حيث أن التعليل بعلة يقتضي الانحصار فيها كقولك : فعلت هذا لكذا ، فإنه يناقضه أن تكون فعلته لغيره أوله مع غيره ؛ إلا إذا كان أحدهما جهة في الآخر.
قلنا : ينتقض بالحمل عليها والحراثة بها ، فإن ذلك مباح ؛ مع أنه لم ينص عليه.
[٥٣٩] فإن قيل : إنما ثبت ذلك بالقياس على الأنعام ، فإنه منصوص عليه فيها بقوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ) [النحل : ٥] والمراد به كل منفعة معهودة منها عرفا لا كل منفعة ، فثبت مثل ذلك في الخيل والبغال والحمير.