[٢١] فإن قيل : قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) [البقرة : ٧٤] كلاهما بمعنى واحد ؛ فما فائدة الثّاني؟
قلنا : التّفجّر يدلّ على الخروج بوصف الكثرة ، والثاني يدلّ على نفس الخروج. وهما متغايران ؛ فلا تكرار.
[٢٢] فإن قيل : ما الفائدة في قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) [البقرة : ٧٩] والكتابة لا تكون إلّا باليد؟
قلنا : فائدته تحقيق مباشرتهم ذلك التّحريف بأنفسهم ؛ وذلك ، زيادة في تقبيح فعلهم ؛ فإنه يقال : كتب فلان كذا ، وإن لم يباشره بنفسه ؛ بل أمر غيره به ، من كاتب له ونحو ذلك.
[٢٣] فإن قيل : التّولّي والإعراض واحد ، فكيف قال تعالى : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) [البقرة : ٨٣].
قلنا : معناه : ثمّ تولّيتم عن الوفاء بالميثاق والعهد ، وأنتم معرضون عن الفكر والنظر في عاقبة ذلك.
[٢٤] فإن قيل : قوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) [البقرة : ٩٦] ، ما فائدة قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) ، وهم من جملة الناس؟
قلنا : إنّما خصّوا بالذّكر بعد العموم ؛ لأنّ حرصهم على الحياة أشدّ ؛ لأنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث.
[٢٥] فإن قيل : قوله عزوجل : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) [البقرة : ١٠٢] يدلّ على أنّ الله تعالى أنزل علم السحر على الملكين ؛ فلم يكن حراما! قلنا : العمل به حرام ؛ لأنّهما كانا يعلّمان الناس السحر ليجتنبوه. كما قال الله تعالى : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) [البقرة : ١٠٢]. نظيره لو سأل إنسان : ما الزّنا؟ لوجب بيانه له ، ليعرفه ، فيجتنبه.
[٢٦] فإن قيل : قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٠٢]. كيف أثبت لهما العلم أوّلا ، مؤكّدا بلام القسم ، ثمّ نفاه عنهم.
قلنا : المثبت لهم أنّهم علموا علما إجماليا أنّ من اختار السحر ماله ، في الآخرة ، من نصيب ؛ والمنفي عنهم أنّهم لا يعلمون حقيقة ما يصيرون إليه من تحسّر الآخرة ، ولا يكون لهم نصيب منها ؛ فالمنفي غير المثبت ، فلا تنافي.
[٢٧] فإن قيل : كيف قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا