قلنا : أراد البركة الدنيوية بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة وذلك حوله لا فيه.
وقيل : أراد البركة الدينية فإنه مقر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومتعبدهم ومهبط الوحي والملائكة ، وإنما قال : (بارَكْنا حَوْلَهُ) ليكون بركته أعم وأشمل ، فإنه أراد بما حوله ما أحاط به من أرض بلاد الشام وما قاربه منها ، وذلك أوسع من مقدار بيت المقدس ، ولأنه إذا كان هو الأصل وقد بارك في لواحقه وتوابعه من البقاع كان هو مباركا فيه بالطريق الأولى ، بخلاف العكس.
وقيل : المراد البركة الدنيوية والدينية ووجههما ما مرّ.
وقيل : المراد باركنا حوله من بركة نشأت منه فعمت جميع الأرض ، فإن مياه الأرض كلها أصل انفجارها من تحت الصخرة التي في بيت المقدس (!) [٥٧٦] فإن قيل : ما وجه ارتباط قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) [الإسراء : ٣] بما قبله ومناسبته له؟
قلنا : معناه لا تتخذوا من دوني ربّا فتكونوا كافرين ، ونوح كان عبدا شكورا وأنتم ذرية من آمن به وحمل معه ، فتأسوا به في الشكر كما تأسى به آباؤكم.
[٥٧٧] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧] ولم يقل : فعليها ، كما قال الله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) [الإسراء : ٤٦]؟
قلنا : اللام هنا بمعنى على كما في قوله تعالى : (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) [الصافات : ١٠٣] وقوله تعالى : (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) [الإسراء : ١٠٩].
وقيل : معناه : فلها رجاء بالرحمة ، أو فلها مخلص بالتوبة والاستغفار.
والصحيح أنّ اللام هنا على بابها ؛ لأنّها للاختصاص ، وكل عامل مختص بجزاء عمله حسنة كانت أو سيئة ، وقد سبق مثل هذا مستوفى في آخر سورة البقرة في قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦].
[٥٧٨] فإن قيل : كيف قال الله تعالى ، هنا : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) [الإسراء : ١٢] ، وقال في قصة مريم وعيسى عليهماالسلام (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ٩١] (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) [المؤمنون : ٢٣] مع أن عيسى صلىاللهعليهوسلم كان وحده آيات شتى ؛ حيث كلّم الناس في المهد ، وكان يحيى الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويخلق الطير وغير ذلك ، وأمه وحدها كانت آية حيث حملت من غير فحل؟
قلنا : إنما أراد به الآية التي كانت مشتركة بينهما ولم تتم إلا بهما ، وهي ولادة ولد من غير فحل ، بخلاف الليل والنهار والشمس والقمر.