يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٠٣] ؛ وإنّما يستقيم أن يقال : هذا خير من ذلك ، إذا كان في كلّ واحد منهما خير ؛ ولا خير في السحر؟
قلنا : خاطبهم على اعتقادهم أنّ في تعلّم السحر خيرا ؛ نظرا منهم إلى حصول مقصودهم الدنيوي به.
[٢٨] فإن قيل : كيف قال هنا : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) [البقرة : ١٢٦]. وقال في سورة إبراهيم صلوات الله عليه : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) [إبراهيم : ٣٥].
قلنا : في الدّعوة الأولى ، كان مكانا قفرا ؛ فطلب منه أن يجعله بلدا وآمنا ؛ وفي الدّعوة الثّانية ، كان بلدا غير آمن ؛ فعرّفه وطلب له الأمن ؛ أو كان بلدا آمنا ؛ فطلب له ثبات الأمن ودوامه.
وكون هذه السورة مدنيّة ، وسورة إبراهيم مكّية ، لا ينافي هذا ؛ لأنّ الواقع من إبراهيم ، صلوات الله عليه ، بلغته على الترتيب الذي قلنا ؛ والإخبار عنه في القرآن على غير ذلك الترتيب ؛ أو أنّ المكّيّ ، منه ، ما نزل قبل الهجرة ؛ فيكون المدنيّ متأخّرا عنه ؛ ومنه ما نزل بعد فتح مكّة ؛ فيكون متأخّرا عن المدنيّ ؛ فلم قلتم إنّ سورة إبراهيم ، عليهالسلام ، من المكّي الّذي نزل قبل الهجرة؟!
[٢٩] فإن قيل : أي مدح وشرف لإبراهيم ، صلوات الله عليه ، في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [البقرة : ١٣٠] مع ما له من شرف الرّسالة والخلّة؟
قلنا : قال الزّجّاج : المراد بقوله : (لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ، أي من الفائزين.
[٣٠] فإن قيل : الموت ليس في وسع الإنسان وقدرته ؛ حتّى تصحّ أن ينهى عنه ، على صفة ، أو يؤمر به على صفة ؛ فكيف قال : (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)؟ [آل عمران : ١٠٢].
قلنا : معناه : اثبتوا على الإسلام ، حتّى إذا جاءكم الموت متّم على دين الإسلام. فهو في المعنى أمر بالثّبات على الإسلام والدّوام عليه ، أو نهي عن تركه.
[٣١] فإن قيل : قوله عزوجل : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) [البقرة : ١٣٧] ، إن أريد به الله تعالى فلا مثل له ، وإن أريد به دين الإسلام فلا مثل له ، أيضا ؛ لأنّ دين الحق واحد؟
قلنا : كلمة مثل زائدة. معناه : فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به ، يعني بمن آمنتم به ، وهو الله تعالى ، أو بما آمنتم به ، وهو دين الإسلام. ومثل قد تزاد في الكلام ، كما في قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، وقوله تعالى : (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) [الأنعام : ١٢٢]. ومثل ومثل بمعنى واحد ؛ وقيل : الباء زائدة ، كما في قوله