تعالى : (بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) [مريم : ٢٥] ، أي مثل إيمانكم بالله أو بدين الإسلام.
[٣٢] فإن قيل : كيف قال : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) [البقرة : ١٤٣] ، وهو لم يزل عالما بذلك؟
قلنا : قوله لنعلم : أي لنعلم كائنا موجودا ما قد علمناه أنّه يكون ويوجد ، أو أراد بالعلم التّمييز للعباد ، كقوله تعالى : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [الأنفال : ٣٧].
[٣٣] فإن قيل : كيف قال : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) [البقرة : ١٤٤] ، وهذا يدلّ على أنّه صلىاللهعليهوسلم لم يكن راضيا بالتّوجه إلى بيت المقدس ؛ مع أنّ التّوجه إليه كان بأمر الله تعالى وحكمه؟
قلنا : المراد بهذا الرّضا المحبّة بالطّبع ، لا رضا التّسليم والانقياد لأمر الله تعالى.
[٣٤] فإن قيل : كيف قال : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) [البقرة : ١٤٥] ، ولهم قبلتان : لليهود قبلة ، وللنّصارى قبلة؟
قلنا : لمّا كانت القبلتان باطلتين ، مخالفتين لقبلة الحقّ ؛ فكانتا ، بحكم الاتّحاد في البطلان ، قبلة واحدة.
[٣٥] فإن قيل : كيف يكون للظّالمين من اليهود أو غيرهم حجّة على المؤمنين ، حتى قال : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [البقرة : ١٥٠]؟
قلنا : معناه إلّا أن يقولوا ظلما وباطلا ، كقول الرجل لصاحبه : مالك عندي حقّ إلّا أن تظلم أو تقول الباطل ؛ وقيل معناه : والذين ظلموا منهم ؛ فإلّا هنا ، بمعنى واو العطف ، كما في قوله تعالى : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) [النمل : ١٠ ، ١١] ؛ وقيل : إلّا فيهما بمعنى لكن. وحجتهم أنهم كانوا يقولون لمّا توجه النبيّ ، عليه الصلاة والسلام ، إلى بيت المقدس : ما درى محمّد أين قبلته حتّى هديناه ، وكانوا يقولون ، أيضا : يخالفنا محمّد في ديننا ، ويتبع قبلتنا ؛ فلمّا حوّله الله تعالى إلى الكعبة انقطعت هذه الحجّة ؛ فعادوا يقولون : لم تركت قبلة بيت المقدس؟ إن كانت باطلة فقد صلّيت إليها زمانا ، وإن كانت حقّا فقد انتقلت عنها ؛ فهذا هو المراد به بقوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [البقرة : ١٥٠] ؛ وقيل : المراد به قولهم : ما ترك محمّد قبلتنا إلّا ميلا لدين قومه وحبّا لوطنه ؛ وقيل : المراد به قول المشركين : قد عاد محمّد إلى قبلتنا ، لعلمه أنّ ديننا حقّ ؛ وسوف يعود إلى ديننا. وإنّما سمّى الله باطلهم حجّة لمشابهته الحجّة في الصورة ، كما قال الله تعالى : (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) [الشورى : ١٦] ، أي باطلة ، وقال : (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) [غافر : ٨٣].
[٣٦] فإن قيل : ما الفائدة في قوله : (وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة : ١٥٢] ، بعد قوله :