سورة الكهف
[٦٠٧] فإن قيل : قوله تعالى : (قَيِّماً) يعني مستقيما ، وقوله : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) [الكهف : ١] مغن عن قوله قيما لأنه متى انتفى العوج ثبتت الاستقامة ؛ لأن العوج في المعاني كالعوج في الأعيان ، والمراد به هنا نفي الاختلاف والتناقض في معانيه ، وأنه لا يخرج منه شيء عن الصواب والحكمة. وقيل : في الآية تقديم وتأخير تقديره : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا.
قلنا : قال الفرّاء : معنى قوله : (قَيِّماً) قائما على الكتب السماوية كلها مصدقا لها شاهدا بصحتها ناسخا لبعض شرائعها ، فعلى هذا لا تكرار فيه ، وعلى القول المشهور يكون الجمع بينهما للتأكيد سواء قدر قيما مقدما أو أقر في مرتبته ، ونصب بفعل مضمر تقديره : ولكن جعله قيما. ولا بد من هذا الإضمار أو من التقديم والتأخير وإلا يصير المعنى : ولم يجعل له عوجا مستقيما والعوج لا يكون مستقيما.
[٦٠٨] فإن قيل : اتخذ الله تعالى ولدا محال ، فكيف قال : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) [الكهف : ٥] وإنما يستقيم أن يقال فلان ما له علم بكذا إذا كان ذلك الشيء مما يعلمه غيره أو مما يصح أن يعلم ، كقولنا زيد ماله علم بالعربية أو بالحساب أو بالشعر ونحو ذلك.
قلنا : معناه ما لهم به من علم لأنه ليس مما يعلم لاستحالته ، وهذا لأن انتفاء العلم بالشيء تارة يكون للجهل بالطريق الموصل إليه ، وتارة يكون لاستحالة العلم به ؛ لأنه في نفسه محال لا يستقيم تعلق العلم به. وما نحن فيه من هذا القبيل.
[٦٠٩] فإن قيل : كيف قال تعالى : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) [الكهف : ١٢] وهو عالم بذلك في الأزل؟
قلنا : معناه لنعلم ذلك علم مشاهدة كما علمناه علم غيب.
[٦١٠] فإن قيل : كيف قال (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ) [الكهف : ١٩] ولم يقل واحدكم؟
قلنا : لأنه أراد فردا منهم أيهم كان ، ولو قال واحدكم لدلّ على بعث رئيسهم ومقدمهم ، فإن العرب تقول : رأيت أحد القوم ، أي فردا منهم ولا تقول : رأيت واحدا لقوم إلا إذا أردت المقدم المعظم.