اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ١٩ ، ٢٠] فكيف يكون إبليس منهم ويؤمر بالسجود فيمتنع ، فعلى هذا يكون استثناؤه من الملائكة استثناء من غير الجنس ؛ أو يكون استثناء من جنس المأمورين بالسجود لا من جنس الملائكة ، ويكون التقدير : وإذ قلنا للملائكة وإبليس اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كما تقول : أمرت إخوتي وعبدي بكذا فأطاعوني إلا عبدي ، والعبد ليس من الإخوة ولا داخلا فيهم إلا من حيث شمله الأمر بالفعل معهم ، فهذا كذلك.
القول الثاني : أنه كان من الملائكة قبل أن يعصي الله تعالى ، فلما عصاه مسخه شيطانا. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فيكون معنى قوله تعالى : (كانَ مِنَ الْجِنِ) [الكهف : ٥٠] لمخالفته ، فتكون كان بمعنى صار. وقيل معناه : أنه كان من الجن في سابق علم الله تعالى وهذان القولان يدلان على أنه كان من الملائكة قبل المعصية. وروي عنه أيضا أنه كان من خزان الجنة ، وهم جماعة من الملائكة يسمون الجن ، فعلى هذا يكون قوله تعالى : (مِنَ الْجِنِ) [الكهف : ٥٠] أي من الملائكة الذين هم خزّان الجنة (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف : ٥٠] بمخالفته فيكون استثناء من الجنس. وقال الزمخشري في سورة البقرة في قوله تعالى : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) [الكهف : ٥٠] هو استثناء متصل ، لأنه كان جنيا واحدا بين أظهر الألوف من الملائكة مغمورا بهم ، فغلبوا عليه في قوله : (فَسَجَدُوا) قلت : وفي هذا التعليل نظر ؛ ثم قال بعده : ويجوز أن يجعل منقطعا.
[٦٢٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) [الكهف : ٥٠] والأولياء : الأصدقاء والأحباب وهم ضد الأعداء ، ويؤيده قوله تعالى : (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) [الكهف : ٥٠] وليس من الناس أحد يحب إبليس وذريته ويصادقهم؟
قلنا : المراد بالموالاة هنا إجابة الناس لهم فيما يأمرونهم به من المعاصي ويوسوسون في صدورهم وطاعتهم إياهم ، فالموالاة مجاز عن هذا لأنه من لوازمها.
[٦٢٦] فإن قيل : قال تعالى هنا : (وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) [الكهف : ٥٢] أي فلم يجب الأصنام المشركين ، فنفى عن الأصنام النطق ، وقال تعالى في سورة النحل : (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) [النحل : ٨٦] يعني فكذبتهم الأصنام فيما قالوا ، فأثبت لهم النطق فكيف الجمع بينهما؟
قلنا : المراد بقوله هنا : (نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) [الكهف : ٥٢] أي نادوهم للشفاعة لكم أو لدفع العذاب عنكم ، فدعوهم فلم يجيبوهم لذلك ، فنفى عنهم النطق بالإجابة إلى الشفاعة ودفع العذاب عنهم ، وفي سورة النحل أثبت لهم النطق