سورة طه عليهالسلام
[٦٧٠] فإن قيل : قوله تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى ناراً) [طه : ٩ ، ١٠] الآية ؛ كيف حكى الله تعالى قول موسى عليهالسلام لأهله عند رؤية النار في هذه السورة وفي سورة النمل وفي سورة القصص بعبارات مختلفة ، وهذه القضية لم تقع إلا مرة واحدة ، فكيف اختلفت عبارة موسى عليهالسلام فيها؟
قلنا : قد سبق في سورة الأعراف في قصة موسى عليهالسلام مثل هذا السؤال والجواب المذكور ، ثم هو الجواب هنا.
[٦٧١] فإن قيل : قوله تعالى : (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) [طه : ١٦] ظاهر اللفظ نهي من لا يؤمن بالساعة عن صد موسى عن الإيمان بها ، والمقصود هو نهي موسى عن التكذيب بها ، فكيف تنزيله.
قلنا : معناه كن شديد الشكيمة في الدين ، صليب المعجم لئلا يطمع في صدك عن الإيمان بها من لا يؤمن بها ، وهذا كقولهم : لا أرينك هاهنا ؛ معناه : لا تدن مني ولا تقرب من حضرتي لئلا أراك ؛ ففي الصورتين النهي متوجه إلى المسبب ، والمراد به النهي عن السبب ، وهو القرب منه والجلوس بحضرته فإنه سبب رؤيته ، وكذلك لين موسى عليهالسلام في الدين وسلاسة قياده سبب لصدهم إياه.
[٦٧٢] فإن قيل : ما فائدة السؤال في قوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) [طه : ١٧] وهو أعلم بما في يده جملة وتفصيلا؟
قلنا : فائدته تأنيسه وتخفيف ما حصل عنده من دهشة الخطاب وهيبة الإجلال وقت التكلم معه ، كما يرى أحدنا طفلا قد داخلته هيبة وإجلال وخوف وفي يده فاكهة أو غيرها فيلاطفه ويؤانسه بقوله ما هذا الذي في يدك؟ مع أنه عالم به.
الثاني : أنه أراد بذلك أن يقر موسى عليهالسلام ويعترف بكونها عصا ويزداد علمه بكونها عصا رسوخا في قلبه فلا يحوم حوله شك إذا قلبها ثعبانا أنها كانت عصا ثم انقلبت ثعبانا بقدرة الله تعالى ، وأن يقرر في نفسه المباينة البعيدة بين المقلوب عنه والمقلوب إليه فيتنبه على القدرة الباهرة ، ونظيره أن يريك الزراد زبرة من حديد ويقول لك ما هذه؟ فتقول زبرة من حديد ، ثم يريك بعد أيام درعا سابغة مسرودة ويقول : هذه تلك الزبرة صيرتها إلى ما تراه من عجيب الصنعة وأنيق السرد.