قلنا : معناه : وما هداهم بعد ما أضلهم ، فإن المضل قد يهدي بعد إضلاله.
الثاني : أن معناه : وأضل قومه وما هدى نفسه.
الثالث : أن معناه : وأضل فرعون قومه عن الدين وما هداهم طريقا في البحر.
الرابع : أن قوله : (وَما هَدى) [طه : ٧٩] تهكم به في قوله لقومه (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) [غافر : ٤٠].
[٦٨١] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) [طه : ٨٠] أضاف المواعدة إليهم ، والمواعدة إنما كانت لموسى عليهالسلام ، واعده الله تعالى جانب الطور الأيمن لإتيانه التوراة؟
قلنا : المواعدة وإن كانت لموسى عليهالسلام ولكنها لما كانت لإنزال كتاب بسبب بني إسرائيل ، وفيه بيان شريعتهم وأحكامهم وصلاح معاشهم ومعادهم ، أضيفت إليهم المواعدة بهذه الملابسة والاتصال.
[٦٨٢] فإن قيل : قوله تعالى : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) [طه : ٨٣] سؤال عن سبب العجلة ، فإن موسى عليهالسلام لما واعده الله تعالى بإنزال التوراة عليه بجانب الطور الأيمن وأراد الخروج إلى ميعاد ربه اختار من قومه سبعين رجلا يصحبونه إلى ذلك المكان ثم سبقهم شوقا إلى ربه وأمرهم بلحاقه ، فعوتب على ذلك وكان الجواب المطابق أن يقول : طلبت زيادة رضاك أو الشوق إلى لقائك وتنجيز وعدك ، فكيف قدم ما لا يطابق السؤال وهو قوله : (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) [طه : ٨٤]؟
قلنا : ما واجهه ربه به تضمن شيئين : إنكار العجلة في نفسها والسؤال عن سببها ، فبدأ موسى عليهالسلام بالاعتذار عما أنكره تعالى عليه بأنه لم يوجد منه إلا تقدم يسير لا يعتد به في العادة ، كما يتقدم المقدم جماعته وأتباعه ، ثم عقب العذر بجواب السؤال عن السبب بقوله : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) [طه : ٨٤].
[٦٨٣] فإن قيل : أليس أن أئمة اللغة قالوا : العوج بالكسر في المعاني ، وبالفتح
__________________
[٦٨٣] ابن السكيت : هو يعقوب بن إسحاق ، أبو يوسف ، ابن السكيت. أحد أئمة اللّغة والأدب.
أصله من خوزستان. أخذ العلم ببغداد. ولد سنة ١٨٦ ه. وتوفي مقتولا على يد المتوكل العباسي سنة ٢٤٤ ه. وسبب قتل المتوكل له أنه كان عهد إليه بتعليم ابنيه المعتز والمؤيد ، فسأله يوما : أهما أحب إليك أم الحسن والحسين؟ فأجاب : ابن السكيت قائلا : والله إن نعل قنبر خادم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خير منك ومن ولديك! فأمر المتوكل أعلاجه فداسوه وسلّوا لسانه رحمهالله.
من مؤلفاته : إصلاح المنطق ، الألفاظ ، الأضداد ، القلب والإبدال ، شرح ديوان عروة بن الورد ، الأجناس ، الخ.