في الأعيان ، ولهذا قال ثعلب : وتقول في الأمر والدين عوج وفي العصا ونحوها عوج ، كالجبال والأرض ، فكيف صح فيها المكسور في قوله تعالى : (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه : ١٠٧]؟
قلنا : قال ابن السكيت : كل ما كان مما ينتصب كالحائط والعود قيل فيه عوج بالفتح ، والعوج بالكسر ما كان في أرض أو دين أو معاش ، فعلى هذا لا إشكال.
الثاني : أنه أراد به نفي الاعوجاج الذي يدرك بالقياس الهندسي ولا يدرك بحاسة البصر ، وذلك اعوجاج لاحق بالمعاني ، فلذلك قال فيه عوج بالكسر ، ومما يوضح هذا أنك لو سويت قطعة أرض غاية التسوية بمقتضى نظر العين بموافقة جماعة من البصراء ، واتفقتم على أنه لم يبق فيها عوج قط ، ثم أمرت المهندس أن يعتبرها بالمقاييس الهندسية وجد فيها عوجا في غير موضع ؛ ولكنه عوج لا يدرك بحاسة البصر. فنفى الله تعالى ذلك العوج لما لطف ودق عن الإدراك ، فكان لدقته وخفائه ملحقا بالمعاني.
[٦٨٤] فإن قيل : إن الله تعالى أخبر أن آدم عليهالسلام نسي عهد الله ووصيته ، وأكل من الشجرة بقوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) [طه : ١١٥] وإذا كان فعل ذلك ناسيا فكيف وصفه بالعصيان والغواية بقوله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [طه : ١٢١] فعاقبه عليه بأعظم أنواع العقوبة ، وهو الإخراج من الجنة؟
قلنا : النسيان هنا بمعنى الترك كما في قوله تعالى : (إِنَّا نَسِيناكُمْ) [السجدة : ١٤] أي تركناكم في العذاب ، وقوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧] فمعناه أنه ترك عهد الله ووصيته ، فكيف يكون من النسيان الذي هو ضد الذكر ، وقد جرى بينه وبين إبليس من المجادلة والمناظرة في أكل الشجرة فصول كثيرة منها قوله : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) [الأعراف : ٢٠] الآية فكيف يبقى مع هذا نسيان؟
[٦٨٥] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) [طه :
١١٧] ولم يقل فتشقيا ، والخطاب لآدم وحواء عليهماالسلام؟
قلنا : لوجوه :
أحدها : أن الرجل قيم أهله وأميرهم ، فشقاؤه يتضمن شقاءهم كما أن معاداته تتضمن معاداتهم ، فاختصر الكلام بإسناد الشقاء إليه دونها لما كان متضمنا له.
الثاني : أنه إنما أسنده إليه دونها للمحافظة على الفاصلة.
__________________
[٦٨٤] تفسير المصنف النسيان هنا بمعنى الترك ، في حق آدم عليهالسلام ، فيه جرأة على مقام الأنبياء ، ولا ندري ما الذي ألجأه إليه.