الثالث : أنه أراد بالشقاء : الشقاء في طلب القوت وإصلاح المعاش ، وذلك وظيفة الرجل دون المرأة ، قال سعيد بن جبير أهبط إلى آدم عليهالسلام ثور أحمر فكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه فذلك شقاؤه.
[٦٨٦] فإن قيل : هل يجوز أن يقال : كان آدم عاصيا غاويا أخذا من قوله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [طه : ١٢١]؟
قلنا : يجوز أن يقال عصى آدم كما قال الله تعالى ، ولا يجوز أن يقال كان آدم عاصيا ، لأنه لا يلزم من جواز إطلاق الفعل جواز إطلاق اسم الفاعل ؛ ألا ترى أنه يجوز أن يقال تبارك الله ، ولا يجوز أن يقال الله تبارك ويجوز أن يقال تاب الله على آدم ، ولا يجوز أن يقال الله تائب ، ونظائره كثيرة.
[٦٨٧] فإن قيل : أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية لا مدخل للقياس فيها ؛ ولهذا يقال الله عالم ، ولا يقال علامة ؛ وإن كان هذا اللفظ أبلغ في الدلالة على معنى العلم ، فأما أسماء البشر وصفاتهم فقياسية ؛ فلم لا يجرى فيها على القياس المطرد؟
قلنا : هذا القياس ليس بمطرد في صفات البشر أيضا ألا ترى أنّهم قالوا ذره ودعه بمعنى اتركه ، وفلان يذر ويدع ، ولم يقولوا منهما وذر ولا واذر ، ولا ودع ولا وادع ، فاستعملوا منها الأمر والمضارع فقط.
ولقائل أن يقول : هذا شاذ في كلام العرب ونادر ، فلا يترك لأجله القياس المطرد ، بل يجري على مقتضى القياس.
[٦٨٨] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) [طه : ١٢٤] أي عن موعظتي أو عن القرآن فلم يؤمن به ولم يتبعه (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) [طه : ١٢٤] أي حياة في ضيق وشدة ، ونحن نرى المعرضين عن الإيمان والقرآن في أخصب معيشة وأرغدها؟
قلنا : قال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد بالمعيشة الضنك الحياة في المعصية وإن كان في رخاء ونعمة. وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنها عذاب القبر.
الثاني : أن المراد بها عيشته في جهنم في الآخرة.
الثالث : أن المراد بها عيشة مع الحرص الشديد على الدنيا وأسبابها ، وهذه الآية في مقابلة قوله في سورة النحل : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [النحل : ٩٧] فكل ما ذكرناه في تفسير الحياة الطيبة فضده وارد في المعيشة الضنك.
[٦٨٩] فإن قيل : أي الكلمات التي سبقت من الله فكانت مانعة من تعذيب هذه
__________________
[٦٨٩] هذه كلمة من حديث قدسي ، انظر : مسند أحمد ٢ / ٢٤٢.