سورة الأنبياء
[٦٩١] فإن قيل : كيف قال تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) [الأنبياء : ١] وصفه بالقرب وقد مضى من وقت هذا الإخبار أكثر من ستمائة عام ، ولم يوجد يوم الحساب بعد؟
قلنا : معناه أنه قريب عند الله تعالى وإن كان بعيدا عند الناس ، كما قال تعالى : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) [المعارج : ٦ ، ٧] وقال تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج : ٤٧].
الثاني : أن معناه أنه قريب بالنسبة إلى ما مضى من الزمان ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «إن مثل ما بقي من الدنيا في جنب ما مضى كمثل خيط في ثوب».
الثالث : أن المراد به قرب حساب كل واحد في قبره إذا مات ، ويؤيده قوله صلىاللهعليهوسلم : «من مات فقد قامت قيامته».
الرابع : أن كل آت قريب وإن طالت أوقات استقباله وترقبه ، وإنما البعيد الذي وجد وانقرض ، ولهذا يقول الناس إذا سافروا من بلد إلى بلد بعد ما ولوا ظهورهم البلد الأول : البلد الثاني أقرب وإن كان أبعد مسافة.
[٦٩٢] فإن قيل : كيف قال تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) [الأنبياء : ٢] والذكر الآتي من الله تعالى هو القرآن وهو قديم لا محدث؟
قلنا : المراد محدث إنزاله.
الثاني : أن المراد به ذكر يكون غير القرآن من مواعظ الرسول صلىاللهعليهوسلم وغيره ؛ ونسب إلى الله تعالى ؛ لأن موعظة كل واعظ بإلهامه وهدايته.
الثالث : أن المراد بالذكر الذاكر وهو الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ويؤيده قوله تعالى ، في سياق الآية : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [الأنبياء : ٣] وعلى هذا يكون معنى قوله : (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) [الأنبياء : ٢] أي إلا استمعوا ذكره وموعظته.
[٦٩٣] فإن قيل : النجوى المسارّة ، فما معنى قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) [طه : ٦٢]؟
__________________
[٦٩١] قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ مثل ما بقي من الدنيا ...» في مسند أحمد : ٣ / ١٩.
ـ قوله صلىاللهعليهوسلم : «من مات فقد قامت قيامته» ، كشف الخفاء : ٢ / ٣٨٦.