من الصالحين بقوله تعالى : (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ) [الأنبياء : ٨٥] الآية ، مع أن أكثر المؤمنين صالحون خصوصا في الزمن الأول؟
قلنا : معناه أنهم من الصالحين للإدخال في الرحمة التي أريد بها النبوة على ما فسره مقاتل ، أو الجنة على ما فسره ابن عباس ، رضي الله عنهما ؛ ويؤيد ذلك قول سليمان صلوات الله عليه : (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل : ١٩] أي الصالحين للعمل المرضيّ الذي سبق سؤاله.
[٧٠٤] فإن قيل : كيف قال تعالى هنا : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) [الأنبياء : ٩١] وقال في سورة التحريم : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [التحريم : ١٢]؟
قلنا : حيث أنّث أراد النفخ في ذاتها ، وإن كان مبدأ النفخ من الفرج الذي هو مخرج الولد أو جيب درعها على اختلاف القولين ، لأنه فرجة ، وكل فرجة بين شيئين تسمى فرجا في اللغة ، وهذا أبلغ في الثناء عليها لأنها إذا منعت جيب درعها مما لا يحل كانت لنفسها أمنع ، وحيث ذكّر فظاهر.
[٧٠٥] فإن قيل : قوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [الأنبياء : ٩٥] بدل على أنه يجب أن يرجعوا ، لأن كل ما حرم أن لا يوجد وجب أن يوجد فكيف معنى الآية؟
قلنا : معناه وواجب على أهل قرية عزمنا على إهلاكهم أو قدّرنا إهلاكهم أنهم لا يرجعون عن الكفر إلى الإيمان ، أو أنهم لا يرجعون بعد إهلاكهم إلى الدنيا ، فالحرام هنا بمعنى الواجب ، كذا قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، ويؤيده قول الشاعر :
فإنّ حراما لا أرى الدّهر باكيا |
|
على شجوة إلّا بكيت على عمرو |
وقيل لفظ الحرام على ظاهره ، ولا زائدة ، والمعنى ما سبق ذكره ، والحرمة هنا بمعنى المنع كما في قوله تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ) [القصص : ١٢] وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) [الأعراف : ٥٠].
[٧٠٦] فإن قيل : قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) [الأنبياء : ١٠١] وقال في موضع آخر : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١] وواردها يكون قريبا منها لا بعيدا.
قلنا : معناه مبعدون عن ألمها وعذابها مع كونهم وارديها ، أو معناه
__________________
[٧٠٥] البيت ينسب إلى الخنساء وليس في ديوانها. وقافية البيت في رواية أخرى على صخر بدل على عمرو.