قلنا : لأن الوحش والطير تبعد في طلب الماء ولا يعوزها الشرب بخلاف الأنعام.
الثاني : أن الأنعام قنية الأناسي وعامة منافعهم متعلقة بها ، فكأن الأنعام يسقي الأنعام ، كالأنعام يسقي الأناسي ، فلذلك خصها بالذكر.
[٧٦١] فإن قيل : كيف قدم تعالى إحياء الأرض وسقي الأنعام على سقي الأناسي؟
قلنا : لأن حياة الأناسي بحياة أرضهم وأنعامهم فقدم ما هو سبب حياتهم ومعاشهم.
الثاني : أن سقي الأرض بماء المطر سابق في الوجود على سقي الأناسي به.
[٧٦٢] فإن قيل : ما وجه صحة الاستثناء في قوله تعالى : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً)؟ [الفرقان : ٥٧].
قلنا : هو استثناء منقطع تقديره : لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا فأنا أدله على ذلك وأهديه إليه. وقيل تقديره : لكن من شاء أن يتخذ إلى ربّه سبيلا بإنفاق ماله في مرضاته فليفعل ذلك.
[٧٦٣] فإن قيل : كيف قال تعالى هنا (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) [الفرقان : ٥٧] ، أي أجرا ؛ لأن «من» لتأكيد النفي وعمومه. وقال في آية أخرى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الفرقان : ٢٣] فأثبت سؤال الأجر عليه؟
قلنا : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) [سبأ : ٤٧] رواه مقاتل والضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما. والصحيح الذي عليه المحققون أنها غير منسوخة ؛ بل هو استثناء من غير الجنس تقديره : لكن أذكركم المودة في القربى.
[٧٦٤] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) [الفرقان : ٧٤] ولم يقل أئمة؟
قلنا : مراعاة لفواصل الآيات ، وقيل تقديره : واجعل كل واحد منا إماما.
[٧٦٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) [الفرقان : ٧٥] وهما بمعنى واحد ويؤيده قوله تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) [الأحزاب : ٤٤] وقوله صلىاللهعليهوسلم : «تحيّة أهل الجنّة في الجنّة سلام».
__________________
[٧٦٥] الحديث أخرجه أحمد في مسنده : ٤ / ٣٨١.