[٧٦٨] فإن قيل : كيف قال موسى عليهالسلام معتذرا عن قتل القبطي (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٢٠] والنبيّ لا يكون ضالا؟
قلنا : أراد به وأنا من الجاهلين ، وكذا قراءة ابن مسعود رضي الله عنه وقيل : أراد من المخطئين ، لأنه ما تعمد قتله ، كما يقال : ضل عن الطريق إذا عدل عن الصواب إلى الخطأ. وقيل : من الناسين كقوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) [البقرة : ٢٨٢].
[٧٦٩] فإن قيل : كيف قال فرعون (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٢٣] ولم يقل ومن رب العالمين؟
قلنا : هو كان أعمى القلب عن معرفة الله سبحانه وتعالى ، منكرا لوجوده فكيف ينكر عليه العدول عن «من» إلى «ما».
الثاني : أن «ما» لا تختص بغير المميّز ؛ بل تطلق عليهما ، قال الله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٣] وقال الله تعالى : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [الكافرون : ١٠٩].
[٧٧٠] فإن قيل : كيف قال موسى عليهالسلام : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) [الشعراء : ٢٤] علق كونه تعالى رب السموات والأرض وما بينهما بشرط كون فرعون وقومه موقنين ، وهذا الشرط منتف والربوبية ثابتة فكيف صح التعليق؟
قلنا : معناه إن كنتم موقنين أن السموات والأرض وما بينهما موجودات وهذا الشرط موجود.
الثاني : أن «إن» نافية لا شرطية.
[٧٧١] فإن قيل : كيف ذكر السموات والأرض وما بينهما قد استوعب ذكر المخلوقات كلها فما فائدة قوله تعالى بعد ذلك (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء : ٢٦] وقوله : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [الشعراء : ٢٨].
قلنا : أعاد ذكرها تخصيصا لها وتمييزا ، لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد وعاين من الدلائل على الصانع والنقل من هيئة إلى هيئة وحال إلى حال من وقت ولادته إلى وقت وفاته ، ثم خص المشرق والمغرب ؛ لأن طلوع الشمس من أحدهما وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستو من أظهر ما يستدل به على وجود الصانع ، ولظهوره انتقل خليل الله صلوات الله عليه وسلامه إلى الاحتجاج به عن الاحتجاج بالإحياء والإماتة (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) [البقرة : ٢٥٨].