[٧٧٢] فإن قيل : كيف قال أولا (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) [الشعراء : ٢٤] وقال آخرا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [الشعراء : ٢٨].
قلنا : لاينهم ولاطفهم أوّلا ، فلمّا رأى عنادهم وإصرارهم خاشنهم وعارض قوله : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء : ٧٢] بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).
[٧٧٣] فإن قيل : قوله : لأسجننك أخصر من قوله : (لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) [الشعراء : ٢٩] فكيف عدل عنه؟
قلنا : كان مراده تعريف العهد ، فكأنه قال لأجعلنك واحدا ممن عرفت حالهم في سجني ، وكان إذا سجن إنسانا طرحه في هوة عميقة جدا مظلمة وحده لا يبصر فيها ولا يسمع ، فكان ذلك أوجع من القتل وأشد نكاية.
[٧٧٤] فإن قيل : قصة موسى عليهالسلام مع فرعون والسحرة ذكرت في سورة الأعراف ثم في سورة طه ثم في هذه السورة ، فما فائدة تكرارها وتكرار غيرها من القصص؟
قلنا : فائدته تأكيد التّحدي وإظهار الإعجاز ، كما أن المبارز إذا خرج من الصف قال : «نزال نزال هل من مبارز هل من مبارز» مكررا ذلك ، يقال : ولهذا سمى الله تعالى القرآن مثاني ؛ لأنه ثنيت فيه الأخبار والقصص.
الثاني : أن أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم كان بعضهم حاضرين وبعضهم غائبين في الغزوات ، وكانوا يحبون حضور مهبط الوحي ، وكانوا إذا رجعوا من غزوهم أكرمهم الله تعالى في بعض الأوقات بإعادة الوحي تشريفا لهم وتفصيلا.
[٧٧٥] فإن قيل : كيف كرر الله تعالى ذكر قصة موسى عليهالسلام أكثر من قصص غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟
قلنا : لأن أحواله كانت أشبه بأحوال النبي صلىاللهعليهوسلم من أحوال غيره منهم في إقامته الحجج وإظهاره المعجزات لأهل مصر وإصرارهم على تكذيبه والجفاء عليه كما كان حال النبيّ صلىاللهعليهوسلم مع أهل مكّة.
[٧٧٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ) [الشعراء : ٦١] والترائي تفاعل من الرؤية ، فيقتضي وجود رؤية كل جمع الجمع الآخر والمنقول أنهم لم ير بعضهم بعضا ، فإن الله تعالى أرسل غيما أبيض فحال بين العسكرين حتى منع رؤية بعضهم بعضا؟
قلنا : الترائي يستعمل بمعنى التداني والتقابل أيضا ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «المؤمن والكافر لا يتراءيان» ، أي لا يتدانيان ، ويقال : دورنا تتراءى ، أي تتقارب وتتقابل.