[٧٧٧] فإن قيل : كيف قال : (وَإِذا مَرِضْتُ) [الشعراء : ٨٠] ولم يقل وإذا أمرضني ، كما قال ، قبله : (خلقني ويهدين)؟
قلنا : لأنه كان في معرض الثناء على الله تعالى وتعديد نعمه ، فأضاف إليه الخير المحض حفظا للأدب ، وإن كان الكل مضافا إليه ، ونظيره قول الخضر عليهالسلام (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) [الكهف : ٧٩] وقوله : (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) [الكهف : ٨٢].
[٧٧٨] فإن قيل : هذا الجواب يبطل بقوله : (وَالَّذِي يُمِيتُنِي) [الشعراء : ٨١] وبقول الخضر (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما) [الكهف : ٨١].
قلنا : إنما أضاف الموت إلى الله تعالى ؛ لأنه سبب لقائه إياه وانتقاله إلى دار كرامته ، فكان نعمة من هذا الوجه. وقيل : إنما أضاف المرض إلى نفسه ؛ لأن أكثر الأمراض تحدث بتفريط الإنسان في مطاعمه ومشاربه.
[٧٧٩] فإن قيل : كيف قال تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) [الشعراء : ٨٨] والمال الذي أنفق في طاعة الله تعالى وسبيله ينفع ، والولد الصالح ينفع ، والولد الذي مات صغيرا يشفع ، وشواهد ذلك كثيرة من الكتاب والسنة خصوصا قوله صلىاللهعليهوسلم : «إذا مات ابن آدم ينقطع عمله إلّا من ثلاث» الحديث؟
قلنا : المراد بالآية أنهما لا ينفعان غير المؤمن ، فإنه هو الذي يأتي بقلب سليم من الكفر ، أو المراد بهما مال لم ينفق في طاعة الله تعالى وولد بالغ غير صالح.
[٧٨٠] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الشعراء : ٩٠] أي قربت ، والجنة لا تنقل من مكانها ولا تحول؟
قلنا : فيه قلب معناه : وأزلفت المتقون إلى الجنّة ، كما يقول الحجاج إذا دنوا إلى مكة قربت مكة منا. وقيل معناه : أنها كانت محجوبة عنهم ، فلما رفعت الحجب بينهم وبينها كان ذلك تقريبا لها.
[٧٨١] فإن قيل : كيف جمع الشافع ووحد الصديق في قوله : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) [الشعراء : ١٠٠ ، ١٠١].
قلنا : لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق ، ولهذا روي أن بعض الحكماء سئل عن الصديق؟ فقال : هو اسم لا معنى له ، أراد بذلك عزة وجوده ، ويجوز أن يراد بالصديق الجمع كالعدو.
[٧٨٢] فإن قيل : كيف قرن بين الأنعام والبنين في قوله : (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) [الشعراء : ١٣٣]؟
__________________
[٧٧٩] الحديث ، بنحو اللفظ الذي ذكره الرازي ، في الفتح الكبير : ١ / ١٥٤.